رواية رد قلبي الجزء الثاني
"الفصل الواحد والخمسون الجزء الأول"
.....................................
منذ مجيئها أول أمس بذاك الرداء الغريب وتلك العلامات الدامية في وجهها وقد ساد المنزل حالة من الهرج والمرج والتي احدثتها ريشة والسيدة علية
التي اقسمت أغلظ الأيمان ألا تخرج غزال بمفردها مرة اخرى عقابًا على تهورها وأفعالها الغير مقبولة ابدًا.. وماهي إلا دقائق ووردها اتصال من خالها يكيل لها من التأنيب ما زاد عن حده بطريقة اغضبتها أكثر
من الواضح أن سلطان لم يتراجع عن شكوها له
والشكر لله أن وفاء كانت تتصرف برتابة وكأن هناك مايؤرق مضجعها.. وايًا كان السبب فهو أحد الاشياء الذي انقذ غزال من ضجتها هي الأخرى
تنهدت غزال بعصبية وهي تضرب ريشة على كتفها بقوة...
-وانتِ بدل ماتشوفيني بجري وبطلع نار من وداني تهديني إن مش جوزك الي هيخطبها بدل الموقف الزفت الي جرالي دا..
تأوهت ريشة متألمة وهي تمسح على مكان الضربة وتقول مندفعة تبرى موقفها...
-أنا مكنتش وعيالك اصلا.. واخر حاجه تيجي على بالي انك تروحي تضربي روڤان دي في خطوبتها
عمرك ما كنتِ عنيفة كدا
حدجتها غزال نظرة جانبية حانقة وهي تتمتم بحنق..
-طلعتيني عنيفة كمان.. يعني عاملة دا كله عشان وانتِ لا حمد ولا شكرانية حتى
اندفعت ريشة تعانقها بإمتنان رغم ضيق الأخرى..
-لا طبعا شكرًا على قلبك الطيب الي مستحملش تشوفيني كدا.. لكن ايه الي ودا سلطان هناك
اكيد انفجر فيكي وقتها صح
ابتعدت ريشة عنها تنتظر اجابتها على سؤالها
ولكن غزال شردت في انفجارهم العنيف في وحه كلا منهم.. وكأنهم انتظروا لحظة كـتلك ليفجروا غيظهما
عودة لوقتٍ مضى
كانت السيارة تتحرك بسرعة جعلتها تنكمش برعب حقيقي, لن تستغرب لو انقلبت السيارة وصعدت أرواهم الى السماء من فرط التهور والسرعة التي يقود بها سلطان..وستكون ملعونة لو فتحت فمها وتحدثت بكلمة واحدة
خاصة أنه هددها بمنتهى الصراحة ان تحدثت سيكون حسابها عسير!!
حاولت ألا تظهر فزعها له بل حاولت استجماع هدوئها كي تبرر ماحدث..هي مدينة له بتبرير بعد التوبيخ الذي تعرض له بسببها
اغمضت عيناها وهي تدعو الله داخلها أن يمر ذاك الموقف السيء بسلام.. رغم أن هيئة الجالس جوارها لا تبشر بأي بسلام, تشعر وكأنه سيرتكب جريمة وهي ضحيتها.. ستكون ميتة على يده حينما يصلوا لمنزله
ابتلعت رمقها ببطئ وهي تقول بخفوت...
-سلطان..أنا كنت فاكره أن العريس شريف والله ..انت لو شوفت منظر ريشة مش هتلومني على الي عملته
أنا المرادي كانت نيتي خير و..
اوقف السيارة فجأة واندفعت اجسادهم للأمام من الوقوف المفاجئ فزاد اضطرابها وهو يدير وجهه لها بعصبية ويقول بحدة وعيناه تجري على وجنتها الي خدشتها روڤان وهي تحاول الدفاع عن نفسها..
-انت حتى مش ندمانة على الي عملتيه..رايحة تتهجمي على الناس ولا كإنك واحدة من الشارع
نية خير ايه..بصي على منظرك والخرابيش الي مالية وشك وهدومك الي اتقطعت وهتبين جسمك
بصي في المراية شوفي اخر تهورك وقلة أدبك
مش قادر أفهم انتِ بعمايلك دي عايزة توصلي لإيه
عايزاني اقول اني مش عايزك خلاص.. لسه لحد من ساعتين كنت فاكرك روحتي بيتك.. انما اكتشف ان الهانم معايا في نفس الخطوبة ونازلة في البنت ضرب ولا كإنك بلطجية حد مأجرك عليهم.. حطتيني ووحطيتي نفسك في موقف زفت بسبب قلة عقلك
كانت نبرة صوته العالية ويده الي تضرب عجلة القيادة بعد كل جملة وملامح وجهه الاجرامية مع كلماته الغاضبة التي جرحتها بالتأكيد.. كل هذا كان سببًا في تخليها عن هدوئها وصراخها في وجهه هي الأخرى وقد فاض الكيل منه ومن اهاناته..
-مكنتش تشدني وتقول اني مراتك.. كنت اعمل نفسك متعرفنيش طالما أنا كنت بيئة وخليتك محرج مني كدا.. وبعدين ايه يعني لما فهمت غلط.. ايه عمرك ماغلطت ولا عملت حاجه بالغلط مثالي مثلا ومبتطلعش منك العيبة
جعد وجهه بجمود وهو يفتح قفل السيارة ويشير لها للخروج وهو يقول بحدة...
-الكلام معاكِ مفيش منه فايدة.. أنا ليا كلام مع خالك انهاردة.. لأن حالك دا مينفعنيش، والظاهر ان يُسر عندها حق
أنهى جملته وهبط من السيارة يغلق الباب خلفه
فتبعته فورًا وهي تهبط وتصفع باب السيارة بقوة جعلت عيناه تبرق بغضب أكبر.. فوقفت أمامه تتخصر وهي تهتف هازئة بحدة متغاضية عن كونهم واقفان على الطريق...
-محدش ضربك على ايدك.. لسه عندك الفرصة تفسخ وترجع لحبيبة القلب الي هتريحك وهتشرفك بين الناس
كادت تسير مبتعدة ولكنه أحكم كفه على رسغها يجذبها بقوة ويسير بها نحو منزله وهو يهمس من بين أسنانه محذرًا..
-صوتك لو علي في الشارع تاني هقطع رقبتك
ولو هبدتي باب العربية تاني مش هعديهالك
ولو ملمتيش نفسك يومك هيبقا أسود
وعزة الله لا أربيكي ياغزال على قلة أدبك دي وهشوف هتفضلي على حالك دا لامتى
جذبت رسغها من وهي تهمس بذات الحدة...
-أنا متربية.. ولو تربيتي مش عجباك روح شوفلك واحدة غيري طالما مش طايقني كدا.. وسيب ايدي عشان أروح بيتي بدل التهزيق دا
-امشي قدامي على البيت عشان تغيري هدومك المقطعة دي ياهانم.. ولا عايزة تمشي في الشارع كدا
تسمرت محلها وخي تكتف ذراعها وتقول ساخرة..
-وأنا اهمك في ايه مش حالي مش عاجبك وعايز تفسخ الخطوبة.. امشي كدا او امشي من غيرها أصلا يهمك في ايه
اغمض عيناه وهو يتنهد ببطئ ويقبض على كفاه يحاول تملك أعصابه.. صدقًا تلك اللحظات التي يمر بها معها هي من أصعب اللحظات في حياته كلها
الصبر فقد صبره أمامها، لا يدري مالذي يدفعه للزواج منها رغم انهما متنافران تمامًا.. هي لا تنفك عن اثارة أعصابه وتجعله على شفا حفرة من الجنون
كما تفعل الآن تمامًا.. رغم الخوف الذي يلمع في عيناها إلا أنها كالعادة تستفزه وتحاول اخراج اسوء مافيه
أشار حيث المنزل بصمت دون حديث ولكن مع نظرات حارقة.. فلو فتح فمه سيصرخ في وجهها بعنف دون أدنى تردد.. أو يبتلعها من فرط جنونه لذا اكتفى بالاشارة!
والحمدلله أنها اطاعت اشارته بعدما ألقته بنظرة حادة.. فتبعها وهو يحاول التحكم بغضبه وعقله يخبره بشيء واحد واضح.. غزال لا تصلح كزوجة له لا تناسبه بأي شكلٍ كان ومماطلته تلك لا نفع منها
بل أنه سيندم أشد الندم إن أتم تلك الزيجة
تلك الصغيرة ستخرج روحه وتحرق ذهنه بكل سهولة
وطبيعة عمله لا تتطلب اجهاد ذهني أو بدني
لءالك غزال ستضره ولن تنفعه.. حتى وإن كان عنقها جميلاً!
طرقت الباب بحنق وهي تكتف يداها وتحرك ساقها بتوتر إلى أن وقف أمامها واخرج مفتاحه يكاد يفتح
ولكن سلوى كانت أسرع منه وفتحت الباب تنظر لوجهه بحيرة قائلة...
-جيت بسرعة كدا ليه دانت مبقالكش ساعتين متقلقش ماما نايمة و...
تحرك سلطان يدلف للشقة متجاهلًا لثرثرتها
ولكنها شهقت من فورها حينما رأت هيئة غزال وقالت مندهشة باستنكار...
-غزال.. انتي ايه جابك تاني وايه عمل فيكي كدا
قلبت غزال عيناها بملل ودلفت للشقة تكتف يداها وهي تشير لسلوى دون أن توجه لها أي حديث...
-قولها تجيب حاجه البسها عشان أمشي أنا اتأخرت
دون أن ينظر لها مرة أخرى تحدث سلطان وهو ينظر لسلوى...
-طلعي لها حاجه تلبسها بدل فستانها دا ياسلوى
عقدت سلوى حاجباها واقتربت منه تقول بفضولها المعتاد...
-انتوا اتخانقتوا ولا ايه.. مش انت كنت رايح خطوبة اخت صاحبك ايه الي حصل فجأة كدا
نظؤة محذرة من سلطان جعلتها تصمت تماما وتتجه لأحد الغرف الاحتياطية التي تشغلها هي وأولادها عند مجيئها لزيارتهم في كل شهر
أما غزال وسلطان فتصرفوا وكأنهم لا يرون بعضهم البعض نظر كلا منهم إلى زاوية مختلفة يتحاشيا النظر إلى بعضهما بعد انفجارهما منذ دقائق
إلى أن خرجت سلوى وفي يدها أحد ملابسها التي لا تعجب غزال ابدًا.. كان رداء بلون الفستق وهو أكثر الألوان كرهًا لغزال.. وكأن سلوى تحاول أن تزيد من عصبيتها بجلبها لذاك الرداء القبيح!
ولكنها تلقفته من يدها دون تعليق.. واتجهت لأحد الغرف لتبدل ملابسها سريعًا وتغادر قبل أن تشتبك مع سلطان مرة اخرى.. وفي اثناء وجودها في الغرفة سمعت صوت سلوى وهي تحادث سلطان بخفوت..
-اتخانقتوا تاني صح.. أنا قولتلك انكم مش هتنفعوا مع بعض.. بس كويس أهو تجرب بنفسك وتحكم
انها مينفعش تحل محل يُسر ابدًا
تجعد وجه غزال وكادت تندفع ترد عليها رد مفحم يجعلها تصمت ولا تتكلم عليها ابد! ا.. ولكن رده جعلها تتراجع وتسمعه بثبات وهو يقول لسلوى بضيق صريح...
-سلوى عشان نقفل موضوع يسر والمقارنات الي بتعمليها كل شوية.. دا نصيب.. ونصيبي مع يسر خلص، متفتكريش ان كلامك دا هو الي هيحدد هي تنفع معايا ولا لأ.. لأخر مرة ياسلوى بنبهك تبطلي تحشري يسر بحركاتك دي وسيبي غزال في حالها
احنا الي نحدد هننفع مع بعض ولا لا
كلماته تلك جعلتها ترتدي الثوب الفستقي بسكون وابتسامة شامتة في سلوى تلك.. ومضت باقي الأحداث بهدوء ورتابة حينما أوصلها لمنزلها وغادر بصمت.. وبالطبع لم تنسى قبل مغادرتها أن تلقي لسلوى نظرة مستفزة شامتة وهي تشيع وجهها المحتقن حرجًا
أما سلطان فاستمر بتجاهلها حتى حينما أوصلها للمنزل في اشارة صريحة أن ماحدث لم يمضي مرور الكرام.. بل لازال الخلاف قائمًا حتى وإن دافع عنها أمام تلك الحرباء سلوى!
استفاقت من شرودها على ربتة ريشة على كتفها وهي تردد بقلق..
-هو الوضع وحش اوي كدا بينك وبين سلطان!
تنهدت غزال بشرود وتحدثت بخفوت عابسة...
-كلمة وحش دي قليلة.. وشكل الموضوع دا هو الي هيجيب الناهية بيني وبينه
صمتت لثوان قبل أن تنظر لريشة وتقول بقلق..
-سكوته دا ميطمنش.. قلقانة منه
لم تجد ريشة ما تواسيها به.. فــــالوضع سيئ ولا يحتمل مواساة ولو حتى كاذبة.. الوضع سيئ للغاية!
وعلى حد علمها بشخصية سلطان.. بعد الذي حدث بالطبع سينهي تلك الخطبة في أسرع دون التفكير مرتين.
قطع شرودهن دخول علية للغرفة تجلس على الفراش أمامهن وتنظر لغزال بحدة وهي تصفع فخذها بغيظ وتقول بحدة...
-شوفتي اخرة عمايلك السودا دبستي نفسك في ايه!
اعتدلت في الفراش بقلق وكذالك ريشة التي قالت بخوف...
-حصل ايه ياطنط.. لسه عيلة روڤان مصرين على انهم يعملوا قضية لغزال
عضت علية باطن فمها وهي تقول بغضب مكتوم...
-اه مُصرين وكمان بيدوروا اذا كانت مرات سلطان فعلا او لأ.. ولو اكتشفوا العكس في ظرف ساعات هتكون مرمية في الحبس بتهمة تعدي وسب وقذف
شوفتي اخرة عمايلك السودا
انتفض قلب غزال بخوف ولأول مره تستوعب جرم ما فعلته فقالت بارتباك..
-يعني ايه الكلام دا!
تنتفضت علية تقف وهي تلقي حديثها مستهزئة بغضب وتود لو تصفع غزال على وجهها وهي تصيح..
-يعني خلال كام ساعة سلطان هيكتب كتابه عليكي وهتروحي على بيته.. ومش بعيد يعملولك شهادة معاملة اطفال بسبب الي هببتيه دا.. خالك سكره عالي وهيروح مننا في شربة ماية بسبب عمايلك السودا.. وانتي هتدبسي في جوازة
خرجت علية من الغرفة وصفعت الباب خلفها
أما غزال نظرت لريشة بعيون دامعة وهي تصفع وجهها بقوة وتهمس بوجل..
-ياخبر اسود ومنيل هتجوز سلطان وهتحبس
مصيبتين ياريشة مصيبتين!
ظلت غزال تنظر حولها ذاهلة تهمس لنفسها شاتمة على تهورها واندفاعها الذي ألقى بها إلى التهلكة
أولهم زجها في السجن الذي يضم مالا يوصفون بكلمات.. وثانيهم زواجها من سلطان.. ذاك الرجل الذي سيبتلعها دون أدنى تردد
ربتت ريشة على كتفها بخوف تحاول تهدئتها وفي قرارة نفسها تعلم من المنقذ الوحيد لها في تلك الحالة.. شَريف الصياد.. ولكن أين ستجده في غمرة اختفائه تلك!
***