JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->

رواية رد قلبي الجزء الثاني"الفصل السبعون"

 

رواية رد قلبي الجزء الثاني

الفصل السبعون

........................................

كان جالسًا على تلك الأريكة المهترئة شارد الذهن تمامًا منقطع عن العالم الخارجي تمامًا..كعادته منذ أشهر حينما أتى لتلك الشقة الضيقة التي يسكنها مع زميله السابق في الشرطة " رفيق المُغازي" والذي فتح له باب شقته الضيقة على مصراعيها رغم عدم توافقهم في الماضي

فكانا لا يطيقان النظر لوجه بعضهما..ويال السخرية هو الآن يجلس معه في شقة واحدة في أحد المناطق الشعبية


تنهد بسأم وهو يخرج سيجارة ويشعلها وينفث فيها بقوة يخرج فيها همومه الغير منطوقة

عقله يعمل في مكانٍ آخر..يتسائل عن حال اخوته..هل هم على مايرام واستطاعوا تخطي ما مضى !

هل نسي أهل القرية ماحدث وصارت الحادثة من حكايات الماضي الواعظة !!..هل استقر محروس في مصر أم سافر مره أخرى

جودي..هل تقبلت الجرح أم لازالت تلعنه في الأرض والسماء، حتى لو ظلت تلعنه هو لا يلومها أبدًا، لو الأمر بيده لرجاها أن تظل تلعنه عله يغضب منها وينسى شعوره نحوها..ولكن لا

ماعاد هناك مايجمعهم سويًا..بالأساس لم يكن هناك مايجمعهم سويًا، من البداية وجودي من عالم وهو من عالم أخر..جودي هي النسخة القريبة بما يكفي للملاك الرقيق الذي لا ينشر حوله إلا النور أينما انخفض جناحاها

أما هو فكان النسخة الاسوء من البشر..والسيئون لا ينالوا الملائكة مكافأتهم من السماء..بل يشردوا في الأرض حتى تزهق أرواحهم للسماء دون أنيس !


استفاق من شروده على تعليق رفيق وهو يدمدم بنبرة حادة...

-قولتلك ألف مره دخن في البلاكونة..أنا مبقبلش ريحة السجاير بقالي شهور بقولك


تابع هشام زفيرة بهبهات السجائر ورائحتها التي صارت كسحابة تغطي الغرفة وبدأ يتأمل رفيق الذي يعبث في اوراقه ويلملمها كي يستعد لجلسة الحكم في أحد محاكم الجنايات..ورغم أن رفيق كان يومًا ضابط شرطة قبل ان يُفصل بسبب حادث قلب حياته رأسًا على عقب

إلا أنه لم يقف مكانه..بل تابع سعيه واجتهاده وحول مسار عمله للمحاماه الحرة

ورغم الصعوبات التي يواجهها كل يوم بصفته ضابط سابق إلا أن كل هذا لم يمنعه في السعي لما يريده

فتحدث هشام بنبرة فاترة وهو يرى سرعته في تجميع أوراق القضية..

-أنا مستغربك ياأخي..عمري ماعرفت افهمك


عقد رفيق حاجباه دون ان يترك الأوراق أو يرفع وجهه فيه ورد على كلماته بهدوء...

-من ساعة ماشوفتك من اربع خمس سنين واحنا مبنفهمش بعض ايه الجديد عشان تستغرب


اطفأ هشام سيجارته وتحدث بنبرة جامدة خاوية...

-ازاي بتعرف تروح القسم والمحكمة وتحط عينك في عين زمايلك وأنت محامي..معقول مبتشوفش الشماتة في عينيهم وهما شايفينك بتجري شمال ويمين وهما بيبيعوا ويشتروا في الي حواليهم !


بسمة ساخرة نمت على فم رفيق ورفع عيناه له مغمغمًا..

-اه قصدك زي ماكنت بتعمل زيهم أنت كمان

لا عادي بحط عيني في عينيهم ومبتكسفش من حاجة

سواء ظابط سواء محامي أنا بشتغل شغل شريف

ميعبنيش..الي يعبني هو أني اتاطي رأسي ليهم

ويمكن دي أكتر حاجه بتغيظهم..ماأنت عارف ومجرب


لم يجيبه هشام..بل ظل يحدق في رفيق دون كلمة

يتأمل قوته الظاهرة في كلماته ووجهه وشخصيته في العموم..رغم كل المصائب التي تعرض لها إلا إنه لازال ثابتًا قويًا يتصرف بذكاء وتريث

يحسده على ثباته الذي لا يستطيع تقليده فيه

رفيق يملك عقلاً ينقذه من كل المواقف الصعبة..أما هو فيملك شخصية غير متحكمة في مجرى حياته

خرج من شروده على سؤال رفيق وهو يرتدي حذائه...

-هتروح تتعالج امتى !


الجملة جعلت هشام يعقد حاجباه ويسأل..

-اتعالج !!


دمدم رفيق بثقة ودون تردد..

-أه تتعالج نفسيًا


بدت بسمة سوداء ساخرة على زاوية فم هشام الذي كرر جملته بنبرة جافة خرجت من حنجرته خشنة...

-اتعالج نفسيًا !


-اه تتعالج نفسيًا..أنا بقالي سنين بقولك روح لدكتور نفسي تتعالج، بس أنت كنت بتاخدها على محمل الإهانة مش النصيحة..أظن بعد ظروفك دي أنت حتى لو مكنتش مريض نفسي اكيد بقيت مريض لازم تشوف دكتور نفسي

وفورًا كمان


أشعل هشام سيجارة أخرى وبدأ يتنفسها بقوة مغمغمًا بنبرة لامبالاة تخبئ خلفها غضبًا من كلمات رفيق ...

-وانت اتعالجت بعد حادثة امك واختك وفصلك من الداخلية !


أسود وجه رفيق وظهرت المرارة في عيناه قبل أن يتذوقها في حلقه لتلك الذكرى الأليمة التي ذكرها هشام دون أن يرف له جفن ورغم ذلك تحدث بهدوء يحسد عليه...

-لو مكنتش اتعالجت كان زماني دافن كل واحد كان سبب في الي حصلي أنا واهلي..بعد مااخدت حق أختي وأمي بالعدل كان لازم انقذ نفسي واتعالج ومكونش زيك


بدت أخر جملة سبب في تفجر عصبية هشام الذي انتفض انفعالا وهو يدعس سيجاره في الأرض بقوة ...

-متكونش زيي ازاي يامتر رفيق !


وقف رفيق وأمسك بحقيبته الجلدية مستعدا للرحيل فنظر لهشام بهدوء يتأمل هيأته الرثه ووزنه الذي فقد نصفه على الأقل من قلة تناوله الطعام وكثرة شرب القهوة والسجائر..لم يكن يشبه هشام الذي عرفه منذ سنواتٍ طويلة..فتنهد بضيق وهو يقول...

-مهربش زيك ولا احط رأسي في الأرض واحقد على كل الناس.. أنت من سنين كنت محتاج تتعالج عشان تعرف تتحكم في عصبيتك وجنونك وغرورك ونظرتك الدونية للكل..دلوقتي انت محتاج تتعالج من كل الي فيك عشان تكون إنسان صالح يعيش وسط الناس من غير ما يضر حد ويدفع الضرر عنه..انت دلوقتي قنبلة موقوتة ياهشام لو متعالجتش بسرعة هتنفجر في الكل وساعتها هتخسر الي باقي من نفسك..المرض النفسي مش عيب..العيب انك متتعالجش وتسيبه يتحكم فيك


تنهد وانخفض على الطاولة الصغيرة يمسك قلب وورقة ويدون عدة أرقام يحفظها عن ظهر قلب وهو يغمغم بجدية...

-عموما لو غيرت رأيك دي أرقام افضل ثلاث دكاترة في اسكندرية..قادرين يساعدوك لما تقرر تساعد نفسك


ثم غادر الغرفة تاركًا هشام يقف في منتصفها يحدق في أثر رفيق بعينان فارغتان وقلبٍ خاوٍ وداخلة بذرة أمل دثرها عقله العنيد بغطاءٍ سميك كي يحجبها عنه

فلا أمل لحياته كي يصلح فيها شخصيته


لا أحد يتغير من مجرد فضفضات غبية لشخص غريب سيستخدم تلك الفضفضات فيما بعد..كيف يثق في طبيب يستمع اليه ويواسيه بمقابل مادي وضيع..كيف يثق في شخص ويتأكد أنه صادق في زمن كثر فيه الكذب وأضحى شيء روتيني سهل الإستخدام

وهو المريض بمرض عدم الثقة في أي شخص في هذه الحياة مهما بلغ قربه له..رباه انه لا يثق في أي شخص سوى نفسه فكيف اقترح ذاك الأبله اقتراحه الذي طرحه توًا !!!..كيف استطاع رفيق ان يقتنع بذاك الهراء وينصحه به..جلس مره اخرى على الأريكة يشعل سيجارة أخرى وعيناه مسلطة على تلك الطاولة التي تحوي الورقة


ومن بئرٍ سحيق تظهر له صورة جودي التي كانت تتمسك بيده أمام والدها وتبكي منهارة..تلك اليد الوحيدة التي تمسكت به رغم سوء طبعه وتهوره في كل مايخصها

فهل يحاول أم إن الآوان قد فات !!


وبتردد شديد وقف عن الأريكة متجهًا نحو الطاولة ويمسك الورقة ينظر لها مليًا وكلمات رفيق تصدح في عقله بقوة

"دلوقتي انت محتاج تتعالج من كل الي فيك عشان تكون إنسان صالح يعيش وسط الناس من غير ما يضر حد ويدفع الضرر عنه..انت دلوقتي قنبلة موقوتة ياهشام لو متعالجتش بسرعة هتنفجر في الكل وساعتها هتخسر الي باقي من نفسك."


بحزم أمسك بهاتفه ذو الأزرار الصغيرة وضغط على الأرقام كي يضع نفسه أمام الأمر الواقع ولا يتردد

وفي قرارة نفسه يدري أنه بحاجه لعلاج نفسي..ليس من اليوم أو منذ عام..بل لأعوامٍ كثيرة نشأ فيها نشأة معقدة

تحتاج لعلاج في أسرع وقتٍ ممكن

                                  ***

حــيـــن الـــتقـــيـتك عــاد قــلبي نــابــضًــا

وجــرى هـــواك بـــداخـلي مــجــرى دمــــي

وشــعــرت حــضـــنك دافــئًــا ورأيـتــنــي

رغـــم الحــيــاء اذوب فــيه وارتــمــــي


قُــــل لـــي أيـــا رجـــلا لـــأي قــبيلـةٍ

ولـــأي عــصـــرٍ أو لــجــنسٍ تــــنـتـمي

ولــمـن تــعــود اصــــول عيــــناك الـتي

اضــحت قنـــاديل الضـــياء لعـــــالمي


ذئبها ما عاد صبورًا


هذه الجملة التي دارت في خُلد سارة وهي جالسة على الأريكة المقابلة لشاشة التلفاز تتابع ذاك المسلسل الاجنبي المفضل لها..وجوارها عبدالرحمن، لا يتابع شيء سواها

كلما حركت عيناها فجأة تجده ينظر لها

وهذا يوترها بقوة..رغم تماسكها الظاهري إلا أن معدتها تنقلب رأسًا على عقب كلما رأت في عيناه تلك النظرة الغريبة


لهم عشرة أيام سويًا منذ زواجهما وهو يراعي خوفها من تلك اللحظة..لم يصدر منه أي انفعال أو ضيق على خوفها الغير مبرر، بل يستطع تحويل أوقاتهم إلى أوقات لطيفة مضحكة وهو يصطحبها لأماكنه المفضلة تارة وللأماكن التي تود زيارتها تارة أخرى

فهي من عشاق الموسيقى والألحان..لذا تجده يصحبها إلى الأوبرا الذي تجعله يضحك بخفوت على ذاك الفن الغريب

وتارة يذهبا لحفل موسيقي لفنان مغمور تحبه سارة

وتارة للمسرح يشاهدا مسرحية كوميدية تسليهم

ومضت العشر أيام بضحكاتهما وانسجام كلاً منهما 

رغم اختلاف هواياتهم وأفكارهم إلا أن عبدالرحمن يستطيع خلق التوافق من الهواء

يجيد قيادة علاقتهم للطريق الهادئ مبتعدا كل البعد عن التعرجات واللحظات المتوترة


ويمضي يومهما بسلاسة ويُختتم بنومه هانئة ولكن كلا منهما على طرف الفراش والفراغ بينهما كبير

رغم أنه كل ليلة لا يخفي توقه لها من عيناه..ولكنه يبتسم ويبتعد بعد عناقٍ وقبلة لا يزيدان وضعه إلا سوءًا..ولا يزيدانها إلا تشتت

كما الان في هذه اللحظة تمامًا 

هو ينظر لها وهي تحاول بكل قوتها تركيز عيناها على التلفاز تتشاغل عن نظراته وتحاول ابقاء وجهها ثابتًا

ولكن احمرار وجنتاها فضحها وهي تشعر بهما يحترقان

فالتفتت له بسرعة تغمغم بتوتر...

-عبدالرحمن متبصليش و..


قطعت كلماتها وهي ترى عبدالرحمن لا ينظر لها

بل لا ينظر من الأساس..بل كان يرجع رأسه للخلف على حافة الأريكة ومغمض العينان وأنفاسه المنتظمة تخبرها أنه ذهب في غفوة فجأة

نظرت لساعة الحائط خلفهما لتجد الساعة تشير للثانية بعد منتصف الليل..الميعاد الذي يكون في نائمًا بعمق

فنظام يومه قبل زواجهما كان نظام مرتب وصارم لا مكان فيه لكلمة سهر لما بعد الثانية عشر ليلاً

إلا اذا كان يعمل في الشقة ويحاول انهاء تجهيزها لزواجهما..مادون ذالك لا


نظرت سارة لوجهه مليًا تتأمله بعينان شاردتان

تعطي لفرصة لعيناها تتأملانه دون خجل طالما أن نافذتي عيناه مغلقة..فصارت تحدق فيه تمشط ملامحه وتحفظها عن قُرب


تأملت حاجباه الكثيفان وأسفلهما عينان بجفنٍ شفاف تظهر عروقه منه ورموش طويلة ورثها عن والدته بكل تأكيد..أنف مستقيم متوسط الحجم ووجه أبيض بصدغي قويان وفك عريض نسبيًا..وشفاه غليظه ذات لون أحمر داكن يذكرها بشفاه مصاصي الدماء من فرط حمرتها الداكنة التي تتنافى مع بياض بشرته

ارتفعت عيناها لخصلاته التي لم تراها قبلاً غير مهذبة

فكعادته يقسم جانبي شعره لجانب كبير وجانب صغير

ويرجعهما للخلف بصرامة لا تليق بلين شخصه وجاذبية وجهه


كانت داخلها تعلم أن عبدالرحمن كان محط الأنظار للفتيات في الجامعة لوقتٍ طويل..وربما لهذه اللحظة

فهو شاب مهذب ذو شخصية عملية وجذاب الهيئة جميل الطلة..له مستقبل باهر في التدريس الجامعي من فرط اجتهاده وذكائه العلمي..وفوق كل هذا يملك ابتسامة مع نبرة متزنة لينة تجعل الفتاة الواقفة أمامه تفكر فيه لأيامٍ على الأقل

ورغم كل هذه المميزات إلا أن سارة لم تلتفت له يومًا

بل كانت حبيسة التفكير في فاتح وما يحدث معها

في الوقت التي كانت فيه خطيبة لفاتح كان عبدالرحمن يحبها..هكذا أخبرتها زميلتها المقربة في الجامعة ذات مره

قائلة بنبرة ضاحكة تحمل حسدًا لم تخفيه...

"مخطوبة لمهندس طول بعرض..وبيكراش عليكي مُعيد زي القمر، ايع يابنتي بتعمليلهم أعمال ولا سحر سُفلي ولا إيه "


حينها ماكان منها سوى الاندهاش وهي تردد دون فهم

"معيد ايه دا يافاتن..وأعمال ايه وسحر ايه "


غمزتها فاتن عابثة وهي تغمغم بخفوت وهتقرص وجنتها..

"عايزة تقوليلي انك مش واخدة بالك من نظرات دكتور عبدالرحمن..دا وقت السكشن بتاعه بيفضل يبصلك من تحت لتحت..ولا بروڤات المسرح الي العيال شافوه كذا مره واقف بعيد بيبص عليكي..وياااسبحان الله

لما يجي حد من زمايلنا يقعد جنبك في السكشن ويحاول يستظرف يقوم طارده من المحاضرة كلها..بقا كل دا وتقوليلي عمل ايه وسحر ايه ! "


صدقًا لم تكن تلاحظ كل تلك الأشياء التي قالتها فاتن

ولم تحاول التأكد او التركيز بها..بل كانت تصارع المشاكل التي تتعرض لها بسبب فاتح وأقاربها..لم تكن في حالة تسمح بملاحظة أفعال رجلاً كـ عبدالرحمن

ولكن بعد فترة بدأت ترى نظراته الذي لا يحاول اخفائها

بل وابتساماته التي يخصها هي بها

وبعد فسخ خطبتها لا تدري كيف تقدم لها بهذه السرعة وقد بدى سعيدا بالصداقة التي تربط والداهما

وطوال خطبتهما كان متفهم رقيق وصادق في مشاعره وردات فعله دائمًا..وفي المقابل كانت هي صادقة في ابداء شعورها ولم تحاول الكذب أو التصنع..بل لأن ذالك ليس من شيمها من الأساس

كان لا ينفك عن توفير الراحة في علاقتهم والأمان ومحاولاته لتبديل السيئ بها لأفضل..فـ بفضله صارت طالبة متفوقة تسعى للنجاح بجدارة..عكس ماكانت عليه سابقًا..كانت تنجح بعلامات تنقلها للمرحلة التالية بصعوبة

جعلها أكثر تعقلا وتريث..رغم عدم سعيه لهذا إلا ان طباعه الهادئة استطاعت ان تنتقل لها نوعًا ما


ورغم كل تلك المميزات إلا أن غضبه حارق..وخصامه حاد لا ينجلي بإعتذار أو ندم..بل أنه لا يعود لطبيعته بسهولة أبدًا.

لن تنسى تلك الفترة التي خاصمها فيها بسبب غضبها الغيى مبرر ومقارنته بفاتح، تُقسم أنها حاولت مرارًا لتصلح خطأها ولكنه كان صارمًا رافضًا لأي عُذرٍ أو ندم

لذا لن تحاول إغضابه أبدًا إن كانت ردة فعله ستكون قاسية هكذا


وجدت يدها طريقها لوجهه تتحسسه بشرود وتسأل نفسها

لمَ لم تحبه من البداية..كيف لم تقع فيه منذ رأت ومضة عيناه حينما ينظر لها ومحبته تظهر جليًا علة وجهه

كيف لم ترى حبه كل تلك الفترة..أكانت عمياء لهذه الدرجة

كيف كانت تبكي على فاتح وهو خطيبها

رباااه كانت تبكي فاتح أمامه وهو يربت على كتفها بنظرات واجمة تنافي رقة يده على كتفها

تنهدت تنهيدة حارة غارقة في أفكارها غافلة عن يدها التي بدت تطوف وجهه بلمساتٍ عفوية ترسم ملامحه

غافلة أن أنفاسه ماعادت منتظمة وقد بدى الاحمرار يكسو وجهه ويظهر تحت جلده الأبيض فيظهر مدى انفعاله في هذه اللحظة..ولكنه كالعادة خشي أن يفتح عيناه فيخيفها بقوة عاطفته..خشى أن تركض منها وتحتمي خلف الغرفة

كل تلك الأيام كان يسعى ألا يجعلها ترتجف رعبًا كما حدث ليلة زفافهما..ولكن في هذه اللحظة شعر أنه بركان على حافة الانفجار

عواطفه بدأت تخونه وتُذكره أن امرأته التي يعشقها جالسة جواره تمامًا..ملتصقة به وتتلمسه بأنامل رقيقة

تلعب بنيران حبه وهي تعلم أن صبره بدى ينفذ

تلك المرأة الذي يقاومها هي حلاله أمام الله والناس والجميع..هي رُكنه الدافئ ونعومتها عي ملجأه وقتما يواجه خشونة العالم


سارة هي المرأة التي استطاعت جعل عقله أكثر جموحًا

وجسده متحفزًا على الدوام..استطاعت دون قصدٍا منها تجعله يُنكر الحب الافلاطوني العذري ويفكر في أن الحب دون شغف والتحام عاشقان ببعضمها لا يُعد حبًا

بل عذاب وهو الان يذوقه كل يوم وهي جواره ويكبح يداه عنها


وصلت أناملها إلى شفتاه تتحسسها دون شعورٍا منها

وهي تشعر بها تنبض أسفل إبهامها

عقدت جبينها وهي تستفيق لنفسها وترى وجهه التي بدى متوهجًا وانفاسه المتهدجة فدمدمت بحذر...

-عبدالرحمن !


خانته عيناه وانفتحت ونظر لها تلك النظرة التي كان يخشى أن تخيفها..يُقسم أنه جاهد نفسه وحاول ولكنها لا تترك له أي فرصة، تضع البنزين جوار النار وتأمل ألا ينشب الحريق !

توسعت عيناي سارة وهي تُدرك أنها عليها الهروب في هذه اللحظة..تهرب بعيدًا عنه وعن مشاعرها التي بدأت تنقلب عليها وترسم لها خيالات مريبة تجعلها أكثر صدمة وخجلا

ولكنها لم تهرب بعيدًا ولم تجذب كفها عن وجهه

بل ظلت تنظر لوجهه ولعيناه مطولاً قبل أن تهمس بصوتٍ لا تدرى من أي أتى...

-أنا صحيتك !!


تدري الجواب..وتدري أنها ايقظت مشاعره نحوها من جديد، تدرى انها تلعب بالنيران التي هربت منها لأيامٍ طويلة وتدري أن ماعاد هناك مجال للهروب والتباعد

وللغرابة في هذه اللحظة هي نفسها لا تود الهروب

كل خجلها وتوترها انقشع وماعاد داخلها إلا توتر غريب

خاصة وهو ينظر لها تلك النظرات الصامتة..فسحبت أصابعها عن وجهه وارتبكت أكثر وهي تغمغم معتذرة...

-أنا أسفة أنا...


فصل الأخر المسافة بينهما وهو يحاوط وجهها وينظر لعيناها مليًا..يتأكد من نظرة التوق في عيناها، يثبت لنفسه القلقة أنها هي التي تود قُربه الان..هي من قطعت المسافات بينهما وراودته عن مشاعره التي يمنعها عنها بصعوبة..فحدثته نفسه أن يستغل لحظاتهم تلك قبل أن تستفيق وتركض عنه بخجلها..وسوس له شيطانه ألا يجعل لها فرصة تنأى بنفسها عنه متلخفة بدثار خوفها

ولكن ذرة تعقل منعته وهو يتمتم بإسمها بنبرة خافتة خشنة تُشير بنفاذ صبره...

-أسفة على ايه ياسارة


يداه الدافئتان تحتويان وجهها بخشونة ناعمة..يحاوطها بإنفعال خلجاته وعيناه اللتان تطلبانها بتفسير قربها منه وهي التي تبتعد عن أي تلامس قد يجعلها بين يداه كما الان..تنهدت تنهيدات مرتجفة زادت من اشتعال قلبه ودمدمت بنبرة رقيقة مميزة لقلبه..

-اني محبيتكش من أول مره شوفتك..لولا الظروف الي كنت بمر بيها أنا متأكدة اني كنت هحبك حتى من قبل ماتحبني


ثم تنهدت بندم واضح وهي تنزل عيناها لكفها ولازالت يداه تحتويان وجنتاها..تحاول ألا تنظر في وجهه في هذه اللحظة كي تستطع انهاء ما بدأته بصدق ودون تردد فأكملت بخفوت...

-كل ماافتكر كل المواقف الي انت كنت معايا فيها

حنيتك وخوفك عليا..حُبك وتقديرك ورقتك ومساعدتك ليا..اديتني حجات مكنتش متخيلة اني هاخدها

أنت كنت كمالة كل حاجه ناقصة فيا


دمعت عيناها وهي تتذكر تصرفات فاتح ووالدها التي كانت تجرحها بقوة وتشعرها بمدى تفاهتها وتحطيم ثقتها في نفسها فأكملت بنبرة مرتجفة...

-أنا عمري ماجربت حنية بابا..ولما اتخطبت لفاتح بردو مكانش حنين معايا، مكانش بيهمه حزني ولا بُكايا

دا حتى اتضربت من قريبتنا قدامه ومتحركش حتى

معملش اي حاجه تخليني أكمل معاه..وشعوري تجاهه كان..


منعها عبدالرحمن ان تكمل وهو يضغط على صدغها برقة تخالف جسده الذي تحفز غيرة من ذِكره ولكنها رفعت كفها تربت على كفه المرتاحة على وجنتها وهي تُكمل...

-هو اول راجل في حياتي..عشان كدا كنت متأثرة بيه

مكنتش أعرف اني عشان أحب حد لازم يكون مقدملي حجات محدش قدمهالي قبله، وانت قدمتلي الي محدش في الدنيا قدمهولي ياعبدالرحمن..انت فهمتني وحبيتني

وعاملتني برقة محدش عاملني بيها


رفعت عيناها لوجهه تحدق في ملامحه المتأثرة بكلماتها

بعيناه اللتان تحكيان عطفه وحنانه..وانقشاع نظرة الرغبة عنه مع أول كلمة صادقة خرجت من فمها

كيف لم تحبه من البداية..كيف تركته كل هذا الوقت وكانت تقاوم شعورًا دافئ صادق كما الان

فانفكت عقدة لسانها وهي تهمس صادقة...

-أنا حبيتك يا غبدالرحمن..وناوية أحبك أكتر

انت متستاهلش مني الا كل حاجه حلوة زيك..مش هكمل في غلطي وكذبي على نفسي أكتر..انت هتفضل تحبني صح !


حرك رأسه بإيجاب دون تردد وهي يميل عليها ويطبع قبله طويلة على وجنتها المتوهجة ويغمغم بنبرة أعادت الارتباك والمشاعر الفياضة لقلبها...

-أكتر من نفسي


رفعت كفها تمسد على وجنته القريبة جدًا منها وهي تغمغم بصوت متحشرج..

-وعد !


-وعد

ما أن قطع وعده لها رفعت يداها تحاوط عنقه وتقترب أكثر منه لتكون شبه جالسة فوق قدماه وتطبع قبلة جاهلة على شفتاه التي مانت تتأملها قبل دقائق..فما كان منه إلا استلام دفة الحب منها فحملها بين ذراعاه واقفًا عن تلك الأريكة ويسير بها نحو غرفتهما التي لم تشهد على تقاربهما إلا في هذه اللحظة..وبدأ الأخر يختبر معها مشاعره التي لم تراها امرأة قط غيرها..يترك العنان لاندفاعه وشغفه يقودان لحظاتهما التي كشف فيها عن شخصية ثانية له

شخصية تناقض هدوء ولين الاخرى مُلتبسة في جنون العشق وتهوره..وسارة لم تكن مصدومة أو خائفة

بل كانت مثله يحركها شغفها وتعميها المشاعر التي صدمتها في نفسها وجعلتها مذهولة من الانجذاب الحسي الذي يربطها بذاك الرجل

صدمتها في نفسها أكبر من صدمتها منه..ولا تصنف تلك الصدمات الا تحت بند الصدمات اللذيذة..ومشاعر لا حصر لها بالنسبة لسارة التي تتحسس طريق الحب..وعبدالرحمن الذي تولى دور الارشاد في طريقٍ حبٍ طويل قطعه بمفرده في الماضي..والان عاد ليقطعه معها وهي قُرب قلبه


                                  ***

دلف لمنزل المزرعة وهو يحمل الأغراض التي طلبتها والتي أصرت عليه أن يذهب هو ويجلبها بدلا من السائق او الحراس..فهي خجولة من أن يعلم الحارس والسائق انها تود اشياء تخص " البنات " على حد قولها

وقبل أن يخطو خطوة أخرى تناهى إلى مسامعه صوت موسيقى شعبية يعرفها حق المعرفة..

عقد حاجباه بدهشة وهو يميز صوت شفيقة التي كانت تتغنى بصوتها الخشن الثقيل..

-ياهوى الزقايق ياشرقاوي

انا قلبي رقيق وصبح غاااوي

والي رماااني زقازيقي ياواد

رمشه لاغاني مشاني هنااااك


توسعت عيناه وهو يقترب من غرفتهم التي يصدح منها صوت شفيقة بكلمات اغنيتها الغريبة التي سمعها قبلاً مره واحدة وقد أعجبه الايقاع القديم للموسيقاها

فتح باب غرفتهم ودلفها ليجد صوت الموسيقى صادر من شاشة التفاز..والفراش مغطى ببتلات الورود الحمراء والشموع في كل مكان حوله في اجواء رومانسية لم يراها قبلاً..فتحرك نحو حمام الغرفة يطرقه مندهشًا...

-ريشة انتي معلية صوت الاغاني كدا ليه..انتي يابنتي

انتي كويسة


في تلك اللحظة كانت ريشة واقفة أمام المرآه الموضوعة في الحمام تتأمل هيأتها بتوتر وبعض الرفض..وهي تتحسس رداء الرقص الأحمر الذي كانت ترتديه..والتي طلبته من غزال قبل مجيئها للمزرعة مع شريف

ولكن على مايبدو أن غزال اشترت مقاسها هي ولم تراعي امكانيات ريشة المحدودة جدًا مقارنة بغزال صاحبة المنحنيات العامرة


تنهدت بسأم وهي تنظر للجزء السُفلي من بدلة الرقص والذي استطاعت تضيقه على خصرها بصعوبة بالطبع

ولكن تدبرت أمرها واستعانت بخبرتها في الخياطة وصار يناسب مقاس خصرها النحيف جدًا

تنهدت بورطة وهي تنظر للجزء العلوي الذي كان عبارة عن حمالة صدر مزكرشة ومزينة بإكسسوارات براقة وكثيرة

تصدر أصوات " شخاليل" كما قالت لها غزال غامزة...

-يدوب يابت ياريشة تتحركي يمين وشمال تشخلل معاكي


شهقت ريشة بحنق من مقياس حمالة الصدر الكبيرة جدا عليها..فكان تتحرك يمين ويسار من فرط كبر حجمها عليها

فغمغمت بنبرة تشارف على البكاء ..

-ماهي مشخللة عليا فعلا ياغزال ياكلبة انتي مغلطتيش


تنهدت بثقل وهي ترفع كفها لجبينها تفكر في تلك الورطة

قياس الخصر واستطاعت تدبر أمره..أما قياس الصدر فلا حل له..فـ للحقيقة هي ليست كغزال لتناسب رداء كهذا

بالكاد تتدبر امرها في فساتين السهرات الرقيقة التي تناسب مقاسها..أما تلك الاشياء تتطلب نساء لهن امكانيات تزيد عنها بكثير


وقعت عيناها على المناديل الموضوعة أمامها فابتهجت لثوان وقد لمعت فكرة في رأسها..وبدأت تسحب أوراق المناديل ككومة كبيرة وتكدسهم أسفل حمالة الصدر من الجهة السفلية قُرب معدتها تحاول ملئ كل هذا الفراغ كي يظهر صدرها من الاعلى ويناسب ردائها الشعبي

بدات تكرر الأمر الى أن وصلت للشكل المطلوب نوعًا ما

فتبسمت بسعادة وهي تسدير يمينًا ويسار تطمئن أن لا شيء يفسد هيأتها الشعبية المثيرة


وضعت حمرة على ثغرها وهي تحاول تتمايل على الاغنية التي تركتها تتكرر في الخارج..تحاول تذكر حركات الراقصة في المقطع الذي شاهدته قبل ساعة

إلى أن تصنم جسدها وهي تسمع طرقات شريف وصوته المندهش..فحاولت التماسك وهي تمسد على خصلاتها المنثورة حول رقبتها..وتوزع نظراتها على رداء الرقص اللامع بحمرته الزاهية


ثم أنزلت نظرها لقدمها تنظر فوق كعب قدمها وتقول بحنق...

-نسيت أجيب الخلخال من مره


ولكن استوت تتنهد بعمق كي تطرد قلقها وتغمغم بجدية تخفي توترها...

-ولا يهمك ياريشة..انتي مكنتيش ناقصة شخاليل كفاية اوي كل الشخاليل دي..متخافيش انتي حلوة

افتكري كلام غزال ارعشي جامد وانتي بتعملي اي حركة

ومبصش في وشه وأنا برقص..تمااام


ثم أخذت بعض الانفاس المتلاحقة وهي تفتح باب الحمام وتنظر خارجة لشَريف الذي كان ينظر في هاتفه بصبرٍ نافذ وقد خفض صوت الموسيقى المتكررة

فتحركت خطوة للخارج..وخطوتها لم تكن خطوة عادية بل خطوة مصاحبه "لشخاليل" جذب انتباه شريف الذي رفع نظراته له وبدى غير مستوعب للحظات

وقف عن الفراش واقترب منها ينظر لردائها بذهول وهو يغمغم مصعوقًا...

-دا ايه دا


لقد علمت انه سيسأل ذاك السؤال بذات الصدمة وقد تدربت على تلك الاجابة مطولاً..اه نعم ستحرك صدرها راقصة وهي تتشدق بـ " اللبانة" وتقول بصوت رفيع مثير

"دي بدلة الرقص ياعنيا "


وكادت تجيب ولكن نسيت انها لا تأكل "لبان"

فتحركت حولها بتشتت وقد نسبت العلكة مع الخلخال على الفراش وهي تغمغم...

-ثانية بس


التفت حول الفراش وجذب العلكة فتحتها وادخلتها سريعًا لفمها وبدأت تمضغها سريعًا تحت نظرات شَريف المذهول تمامًا..ثم التفتت له وهي تقترب منه قائلة ببعض التوتر التي فشلت في احتوائه وعجزت عن نطق الكلمات حتى فقالت سريعًا...

-بص انت اقعد وأنا هـ ..أنا هرقص ماشي !


كان لازال يقف أمامها يحدق فيها بذهول بدء يندثر ويظهر تحته نظرة متسليه لذاك المشهد الذي لن يتكرر ابدًا

فتحرك وجلس على الفراش يشبك يداه وهو ينظر لجسدها البراق اللامع أسفل رداء الرقص الذي كان يثير في نفسه..الضحك !!!


فبمجرد النظر لقياس الرداء سيعلم أنه لا يناسبها أبدًا

خاصة وهي تسير في كطفلة تجرب ثياب والدتها المثيرة

ورغم رغبته العارمة في الضحك إلا انه ابتسم واستند على كفه وهو ينظر لها وهي تتحرك لمنتصف الغرفة بعدما أغلقت الاضائة وفتحت اضائه أخرى حمراء لا يدري من أين أتت بها..وبدأت تتمايل بعشوائية مريبة على النغمات الراقصة..علميًا هي ترقص له لتُغريه..عمليًا هي تتلوى من ألم معدتها تقريبًا او انها سُكنت بعفريتٍ راقص لا يعلم قواعد الرقص حتى

وضع كفه على فمه سريعًا يكتم نوبة الضحك التي ضربته فجأة وهو يراها تحرك صدرها بقوة محدثة صوتًا عاليًا بتلك الأجراس المعلقة في الرداء

وقد ظهر لعيناه شيء أبيض تحت صدريتها فأمعن النظر فيه ليراه منديل !!!

رمش بعيناه وهو يكمم فمه بصعوبة ويراها تتحرك في الغرفة كفرخة ممسوسة تدور وترقص ردفها يمين ويسار يمين ويسار ثم يمين ويسار..وملامح وجهها مرتبكة مشتتة تحاول تحقيق التوازن في خطواتها غافلة على أن وجهها يشبه وجه الفنانة "سوسن بدر" حينما كانت ترقص مُجبرة في أحد الأفلام ووجهها مغطى بالكدمات

فكان ماينقص ريشة لتطابق المشهد هو الكدمات فقط 

وبالأخير اختتمتها برقصة بهلوانية وهي تثني ظهرها للخلف وتتلاعب بيدها في الهواء..ولكن على مايبدو أنها كانت حركة غير موفقة أدت لتعثرها في طرف ردائها

وسقطت أرضًا فجأة !!!


حينها فثط وقف سريعًا وانخفض يساعدها سريعًا وهو يرى وجهها الذي تخضب بالذل والمهانة لما تعرضت له توًا

لقد كانت تؤدي عرض مسرحي لا يصلح تقديمه حتى في فقرات السرك..بل ان فقرة المهرج ستكون مفيدة أكثر منها

ابتعدت سريعًا عن شريف وهي تغطي وجهها تخفي حرجها عنها وهي تتأوه هامسة بنبرة محرجة تشارف على البكاء..

-أطلع من هنا دلوقتي متبصليش..خليني لوحدي دلوقتي

انا محرجة أوي منك..عشان خاطري اطلع وسيبني


اقترب منها وهو يكبح ضحكاته بصعوبة كي لا يحرجها

ومال على وجنتها الساخنة يقبلها برفق ويربت على رأسها قائلا بنبرة مازحة رقيقة...

-براحة بس في ايه..دا انا مبسوط انك حاولتي تعملي كل دا عشاني ياحبييي، وبعدين انتي زي القمر مش وحشة ولا حاجه..انتي بس جبتي مقاس أكبر وجبتيها لحاجه انتي مبتعرفيش تعمليها


هدأت ارتجافة الذلة أمامه فتنهدت بقنوط وبنبرة مهزومة تحمل حزنًا وخزي قالت...

-أنا حاولت..حاولت اعمل الحاجه الي انت بتحبها

بس أنا مبعرفش ومليش في الجو دا..أنا أسفة بجد


بدأت عيناها تدمع لا إراديًا فربت على وجنتها نافيًا...

-لا متتأسفيش..وبعدين أنا كنت بهزر معاكي أنا مش واخد على الاستايل دا أصلا..كنت بغيظك بس مش أكتر

انما انا الهدوم مبتفرقش معايا أصلا 


ألقى تعليقه الأخير بنظرة عابثة جعلت وجنتاها تحمران خجلا وقد سقط أول دمعاتها فغمغمت بلا تصديق..

-بس انت قولتلي مفيش راجل مبيحبش الجو دا

دا انت حتى كنت بتغني لشفيقة دي


ضحك بخفوت وهو يسحب ذاك المنديل الظاهر من أسفل حمالتها دون أن تنتبه وبدأ يجفف عيناها قائلا بعبث وهو يقرص وجنتها...

-لا دي أغاني بحبها عادي..وفي الأساس أنا بحب الرقة في كل حاجه..بحب قمصانك الهادية الرقيقة وكمان بشوفها ملهاش لازمة من الأساس بقا من الأخر


ابتهج قلبها بعض الشيء وابتسمت ابتسامة مرتاحة من بين بكائها ولكنها فجأة توقفت عن البكاء ونظرت للمنديل المجعد في يده بريبة والذي وصل ليده فجأة..فدمدمت بنبرة حذرة وعيون متسعة...

-انت..انت جبت المنديل دا منين


نظر للمنديل ثم إلى صدرها وأشار بحاول اصطناع الجدية وهو يقول...

-تقريبا في علبة جوا


شهقت بفزع وهي تضع كفاها على صدرها سريعًا وتركض بجنون نحو الحمام وتغلقه عليها بعنف صارخة لنفسها بشتائم تنم عن الغباء والغضب من ذاتها

أما شَريف فقد ترك العنان لضحكاته المحبوسة وهو يحاول التقاط انفاسه بصعوبة شديدة


فصدح صوت شفيقة مره أخرى وهي تغني بجزل..

-الي رماني زقازيقي ياواد..رمشه لغاني مشاني بلاد

ياهوى الزقايق ياشرقااااوي


اوقف ضحكاته واقتحم عليها الحمام مغمغمًا بنبرة حادة مصطنعة تخفي بين ثناياها الضحك..

-مين دا الي زقازيقي ياهانم..انطقي مين الشرقاوي

دا أنا امي اسكندرانية وابويا اسكندراني وأبو جد جدي يوناني..جبتي منين زقازيقي دي انطقي


كان ينطق كلماته ويدغدغ جسدها الذي اسقطت من رداء الرقص فما كان منها الا الضحك بلا حيلة مزاحة وكلماته التي تبعثر عنها الحرج..فاختتم المزاح بطريقته المعهودة في جذبها ليداه كما يحب تمامًا..بلا ملابس شعبية أو راقية..تكفيه انها ريشة فقط


                                 ***

رواية رد قلبي الجزء الثاني"الفصل السبعون"

روايات وسام اسامة

تعليقات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    الاسمبريد إلكترونيرسالة