JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
Home

رواية رد قلبي الجزء الثاني "الفصل التاسع والستون ٢"


 رواية رد قلبي


الفصل التاسع والستون "الجزء الثاني"

............................

وصلت سيدرا مع موسى  إلى النادي حيث وجود أولاده مع ابنة عمته التي تصبحهم للنادي وتهتم بهم مع اولادها وتحرص عليهم لعلمها بخوفه عليهم من الغرباء..فكانت تقضي معهم عطلات النادي بصحية أطفالها..ولكن حينما رأت موسى وسيدرا ألقت السلام على عجالة واستأذنت مغادرة مع أطفالها لقدوم حماتها بشكل مفاجئ وحضورها في منزلها


فكانت لمار تتمرن سباحة..وفادي يتمرن اسكواش

فذهبت سيدرا مع موسى حيث مكان تدريب لمار

التي كانت تقف في صفوف مع أطفال من نفس عمرها

ترتدي لباس السباحة وتحمي خصلاتها بغطاء الرأس

فيحنما رأت والدها وسيدرا صاحت بسعادة وقفزت راكضة نحوهم حتى كادت تتعثر فأسرع موسى لها يتلقفها بين يداه غير أبهًا بردائها المبتل وهو يضحك ويقبل وجنتاها بمحبة قائلا...

-لولي الشاطورة عاملة ايه في التمرين


همهمت لمار وهي تطوق عنقه وترفع كفها تحركها يمينًا ويسار...

-اممم نص نص يابابي..بس عشان انت جيت مع سيرا هكون شاطرة ومش نص نص


ضحكت سيدرا وهي تقترب منها وتداعب وحنتها بلطف قائلة بحنانٍ رقيق...

-انتي شاطرة من غير حاجه..بس اتشطري أكتر


مالت على سيدرا تُقبل وجنتها بقوة طفولية وهي لازالت مرفوعة بين يدي والدها قائلة...

-لاڤ يو سيرا


غمغمت سيرا وهي تربت على وجنتها باسمة...

-وأنا كمان يالولي..يلا روحي كملي تدريب


انزلها موسى فانطلقت كالسهم المنطلق نحو المدرب بحماس تخبره أنها ستكون "ممتازة" في تدريب اليوم

وهي ترفع إبهامها إلى والدها وسيدرا بمعني " كله تمام"

فضحك موسى وهو يسير جوار سيدرا ويذهب حيث مكان تدريب فادي وهو يقول باسمًا...

-هتفضل طول اليوم متحمسة عشان جينا ليها التمرين


تبسمت سيدرا وقالت بتلقائية...

-لمار بتفكرني بجودي وهي صغيرة كانت شقية وحماسية زيها كدا..بردو كانت بتتمرن سباحة وكانت شاطرة جدا


نظر لها موسى وسألها بفضول...

-وانتي كنتي بتتمرني ايه


غمغمت سيدرا ببساطة وهي تشير بيدها على هيئة بندقية..

-صيد طيور


بذهولٍ شديد وعينان متسعتان غمغم...

-ايــه !


تبسمت سيدرا على تعابير وجهه المذهول وأعادت كلماتها ضاحكة...

-كنت بتمرن صيد..كنت كل يوم جمعة بروح مع بابا نصتاد حمام..أو نروح ندرب ضرب نار عمومًا


كان يحدق فيها دون استيعاب وهو يتخيل أن ذاك الوجه البريئ الجميل وتلك اليدان الرقيقتان تمسكان بندقية وتضرب نيران !!؟..سيدرا تطلق نيران !

بعد دقايق من الصمت تحدث مستنكرًا...

-ملقتيش حاجه غير تصتادي طيور از تدربي ضرب نار !!


حركت رأسها نافية وهي تعقد حاجباها بذهول من استنكاره وقالت...

-اه ملقتش نفسي الا في دي..وبعدين الصيد بيقوي الثقة في النفس والثبات وحجات كتير


-ولسه بتصتادي !!


حركت رأسها نافية وهي تتنهد مطولا بشرود وتقول..

-مبقتش عايزة أموت الحمام لمجرد استمتاعي

حسيت اني بظلم المخلوقات..وبالتالي بطلت، بس من فترة للتانية بروح مع بابا نتدرب نيشان وضرب نار

واهو مش بنئذي حد


حرك موسى رأسه نافيًا وهو يغمغم بخفوت مبهورًا...

-ايه العيلة الغريبة دي


كلماته وصلت لمسامع سيدرا التي قالت ساخرة..

-مدركة انك كنت مستني اقول اني بلعب شطرنج وبميل للبالية او السباحة او كل الحجات الي انت شايفها بناتي دي..لكن للأسف ميولي الترفيهية مش مطابق لتفكيرك


نظر لها مطولاً يتأمل ملامحها الساخرة قبل أن يقول بهدوء وعمق...

-دماغك وميولك ولسانك وعقلك وتصرفاتك

كل حاجه فيكي مختلفة عن اي حاجه في دماغي

انتي مبتبطليش تبهريني..وفي كل الأحوال مشاعري ليكي واحدة..المهم القلب شايفك ازاي


انهار قناع السخرية وارتبكت لوهلة فأسرعت تشيح عيناها عنه وتغمغم متشاغلة عن نظراته...

-فين فادي


حينما أتمت كلماتها كان فادي قد أنهى تدريبه والتفت لذهب حيث شقيقته ولكنه رأى والده وتلك الغريبة

فتجهم وجهه وظهر الضيق في عيناه وهي يتقدم منهم على مضض ليسلم على والده ويلقي عليها تحية فاترة لم تعجب موسى..ولكن سيدرا اشارت له بعيناها أن يغادر

فطرف عيناه بتردد ان يتركهم بمفردهم ولكن قال أخيرًا..

-هروح أغير هدومي واجري شويه على مالمار تخلص

خليك مع سيدرا يافادي ماتسيبهاش لوحدها


حدق فيه فادي ساخرًا وانتظر مغادرته فنظر لسيدرا نظرة عدم تقبل وسار مبتعدا عنها وقد ضرب بحديث والده عرض الحائط..فسارت سيدرا خلفه تتبعه بخطوات هادئة وتحاول تنظيم الكلمات في رأسها وتزيد الصبر في نفسها

إلى ان وجدته يقف أمام اسطبلات الخيول يحدق فيهم بلا ملل..يتابع حركاتهم بعينان ثاقبتان وكأنه يحفظ سكناتهم وحركاتهم كمن يحفظ شيء هام


حدقت سيدرا مليًا في وجهه الواجم وعيناه اللتان تتابعان ركض الخيول عن بُعد..فغمغمت بهدوء..

-انت بتحب الخيل أوي كدا !؟


كان ينوي ألا يجيب على سؤالها ويتجاهلها تمامًا ولكن تذكر كلمات والده وهو يناقشه بهدوء ويطلب منه أن يحسن التصرف مع سيدرا فأجابها بوجوم...

-ايوه


-طب طالما بتحبه مبتتمرنش خيل ليه !!


نظر لها بطرف عيناه رافضًا لفضولها الذي يزعجه بحق وأجابها بنبرة أشد ضيقًا...

-اسأليه هو يمكن يجاوبك


ابعدت سيدرا نظرها عنه وغمغمت بلا مبالاة ظاهرية...

-بس دا يخصك انت ميخصوش عشان اسأله


-خايف عليا لا اقع وأموت زي اختي..رافض اني اشترك

مرتاحة دلوقتي


صراحته جعلتها تنظر إليه مليًا تستشف تلك النظرة العنيدة المُره في عيناه حينما أتى على ذكر شقيقته المتوفاه فقالت بخفوت...

-الله يرحمها..لكن دا قضاء وقدر

الي ربنا مقدره هيحصلنا سواء في الحاجه دي او في غيرها..أنا شايفة انك لو فعلا عايز ممكن تتناقش معاه تاني


زفر فادي وقد فاض كيله وصبره من تدخلها فنظر لها نظرة حادة وأردف ببعض العصبية..

-دي حاجه بيني وبين بابا متخصش حد..ممكن متحاوليش تقربي مني..لو فاكرة اني كدا هحبك واتقبلك ابقي غلطانة، لو سمحتي متحاوليش تقربي مني وخليكي مع لمار


كانت سيدرا تحدق فيه بصبر تحسد عليه تسمع كلماته الحادة وأعصابه التي خرجت عن طور الهدوء والبرود الذي يحاول اتقانه فقالت بثبات...

-بس أنا هكون جزء من عيلتكم..أنا مُدركة انك مش حابب وجودي..بس انت لسه معرفتنيش عشان تقرر انك تكرهني او تبعد عني..مينفعش شخص عاقل زيك يرمي الاحكام جزافًا كدا..مش لايق عليك العدائية دي عمومًا


-وانتِ تعرفيني منين عشان تقولي كدا..لحقتي تعرفيني من مره يعني


حركت سيدرا رأسها بإيجاب وهي تجيبه ببساطة وثقة..

-اه لحقت اعرفك..ماانا مش صغيرة بردو

انا تعمل نفسك عدائي حاجه..وانك تكون في الأساس عدائي حاجه تانية..أنا شيفاك شخص كويس بس بيحاول يظهر العكس..ولو فاكر ان دي قوة كدا تبقى غلطان

أنا كنت زيك لحد مالاقيت الكل بيبعد عني ومحدش طايقني..وعشان انا عارفة الي جواك مبزعلش منك


حدق فادي بها بعض الوقت وهو لا يجد مايقوله

فقط ينظر لها نظرة منفعلة ويحاول القاء كلماتٍ ولكن اكملت سيدرا بهدوء وثبات يميل للين...

- انا مش هبطل محاولة اني اتقرب منك..لأني مش هتجوز والدك بس..لا أنا هكون جزء منكم وانتوا جزء مني

لو انت رفضت أنا مش هتمم الجوازة..لأني مش هسمح اقعد في مكان أهم فرد فيه مش قابلني


ارتبكت نظرة عيناه وتشتت لثوان وهو يغمغم بسخرية ويبعد نظره عنها وهو يشكك في صحة كلماتها...

-أهم فرد !!؟


حركت رأسها بثقة وهي تؤكد..

-ايوه انت ولمار أهم فردين..لو انتوا مش مرتاحين موسى مش هيكون مرتاح وبالتالي انا كمان مش هكون مرتاحة

أنا مش جاية اخطف بباكم منكم او اخد مكان مامتكم يافادي..انا حابة اكون صاحبتكم

عمري ماعقدر أعوضكم مامتكم ربنا يخليهالكم..ولا ناوية اخد أب من ولاده..انا عايزة اكون اسرة معاكم بس


لم يجد مايقوله فثقتها وطريقة حديثها تربكة وتجعله عاجز عن ردعها..فتجاهل كلماتها ثم تحرك مبتعدًا عنها وهي لازالت تقف محلها وجزء مافي خاطرها يخبرها ان الوصول لقلب فادي ليس بالصعب

وايضًا ليس باليسير..ماعليها سوى المحاولة كره أخرى

ولكن غرضها الان تغير..فقبل ساعة كانت تحاول التقرب له كي لا تكون حياتهم الاسرية متوترة

أما الان فهي تود التقرب منه لمساعدته كي يعيش حاله كحال كل طفلٍ مثله..وليس كطفلٍ ملكوم !

                                ***

ضحكت وهي ترى تلك محادثة رغدة وغزال والتي تضمها هي الأخرى ليثرثن فيها بحرية وطرح مشكلاتهن وتخطيطاتهن الجهنمية لأزواجهن..والتي كانت منشأتها غزال مؤخرًا لتتواصل معهن في وقتٍ واحد

 بجانب المحادثة الأكثر احترامًا وتحشمًا لوجود وفاء معهن فيها


نظرت للرسالة التي بعثتها غزال والتي كتبت لهن بأيجاز

"اختاروا بدلة من دول تكون لايقة عليا..ومحدش يقولي دا شغل قديم لأني بحب الشعبيات دي "


ضحكت وهي تتصفح تلك الصور التي أرفقتها مع رسالتها والتي تحتوي بدلات للرقص الشرقي والتي كانت تتسم بطابع عشوائي بألوانها الزاهية والاكسسورات المطرزة بها

التي تملأها بشكلٍ مبالغ..ورغم ذالك لن تنكر انها جميلة !!

ورغم أن غزال ترتدي كل تلك الألوان الغريبة

الأخضر الزراعي..والأحمر الفاقع والأصفر العُصفر

والأزرق الذي يميل للون مسحوق "الزهرة" التي كانت تستخدمها والدتها في الماضي

إلا أن كل تلك الألوان كانت مبالغة بشكل جعل ريشة تكتب سريعًا...

"غزال مش كفاية الراجل مستحمل ألوانك العادية هتروحي تجبيله تلوث بصري بدل ماتغريه..حاولي تغيري النمط بقا وتلبسي حاجه رقيقة "


أرسلتها وهي تتوقع أن تظهر غزال برسالة لاذعة تشن بها هجومًا عليها ولكنها وجدت غزال قد كتبت

"هو أنا ألواني وحشة كدا..تفتكري مبيحبهاش !! "


عقدت ريشة حاجباها بدهشة وهمت أن تكتب وتنفي

ولكن اتى رد رغدة مقنعًا يحمل لمحة عاطفية بعيدة عن شخص سلطان..

" مايمكن ألوانك دي هي الي جابته على وشه..خليكي واثقة في ذوقك المريب ياغزال..بقيتي مش في ادائك من ساعة ماحبيتي الراجل دا "


اتى رد غزال غريبًا ملتهفًا معترفة دون أن تتلقى أول "قلم" حتى

" حظي المنيل خلاني احب راجل مبيعرفش يقول كلمتين حلوين على بعض..بس أعمل ايه بحبه..بحبه بحبه"


ضحكت كلاتا رغدة وريشة بقوة على تكرار اعترافها بالحب فكتبت لهن ضاحكة...

"عايزة اقولكم اني عاملة فيها مقموصة وتعبانة ولأول مره الاقيه كل شويه يقيسلي الضغط يجس حرارتي

ياكلني ويديني ڤيتامينات..هما مش في الروايات لما البطلات بيتعبوا البطل بيبوسها ويحضنها ويعترف بحبه ويعيط..ماله واخد دور الام ليه "


كتبت رغدة

" اخلاقك بقت في الباي باي خالص..هو دا الي اتفقنا عليه يابت انتي..مش قولتلك اتقلي عليه واقلبي الترابيزة"


ارسلت غزال وجوه متأفافة وأرفقت معها...

"التقل دا طلع صعب..بمسك نفسي بالعافية اني مضحكش لما بلاقيه بيجس حرارتي وضغطي..ببقا عايزة اقوله ياعم فتح مخك وصالحني قولي كلمة حلوة..احضني..شدني كدا واحكيلي حكايات ألف ليلة وليلة

انما دا..ياربي على الثبات..انا عمري ماشوفت تُقل كدا "


ضحكت ريشة وكتبت مستفزة إياها

"ربنا يخليلي كتكوتي..الحمدلله الذي عافانا والله "


"انتي بالذات تسكتي خالص ياواطية يالي جريتي وسبتيني..وبعدين ملكيش دعوة انا بحبه وهو كدا

المهم ها اختار لون ايه من البدل دي ! "


" هو دا التقل يابت..رايحة تجيبي بدل رقص

اقولك اتقلي تنقي بدلة !!! "


ضحكت غزال وكتبت سريعًا...

"أنا تقلانة دلوقتي بس لما يصالحني هفاجأه..بصراحة كدا نفسي اشوفه منبهر ويقولي اي كلمة حلوة 

اخلصوا بقا ونقوا معايا "


أجابتها رغدة مختصرة..

"هاتي الزرقة شكلها حلو "


"انتي بتشجعيها على ايه يارغدة..دا بدل ماتنصحيها تسيبها من الشغل القديم دا..البسي فستان مفتوح هيكون ارقى وأشيك "


كشرت غزال عن أنيابها وهي تندفع مهاجمة...

"بت انتي ارقى ايه وأشيك ايه متحسسنيش انك حفيدة نجيب ساويرس..مش عشان قعدتي في ڤيلا هتتعوجي علينا "


ضحكت ريشة بنية صافية وكتبت مستفزة

"قاعدة في قصر* "


" بدأنا شغل الإحداث "


"اسكتوا انتوا الاتنين..وانتي ياريشة في رجاله ذوقها الجو الشعبي وفي رجاله ذوقها الشياكة والبساطة..وممكن تلاقي الراجل بيحب الاتنين..مش غلط انك تنوعي"


عقدت ريشة حاجباها مستنكرة بصوتٍ مرتفع...

-رجاله ذوقها الشعبي !


جاء صوت شَريف جوارها وهو يجلس على الفراش قائلا بدهشة من صياحها...

-رجاله مين


فتحت صور البدلات وحدقت بها دون انتباه وهي تغمغم بتلقائية...

-صاحبتي بتقول في رجاله بتحب بدل الرقص والشغل الشعبي دا..لكن ازاي دا غريب اوي ..وايه الترتر دا كله 


اختطف الهاتف من بين يداها يحدق في موديلات بدلات الرقص الشرقي فهمهم وأطلق صافرة طويلة تعبر عن انبهاره واستحسانه لذاك الذوق الخاص وغمغم باسمًا بعبث...

-والله صاحبتك بتفهم..لا ولا الألوان حاجه كدا تحرك المشاعر


توسعت عيناها وهي تختطف الهاتف منه وتطفأه وهي تنظر له مندهشة من رأيه الغير متوقع ابدًا على ذاك الذوق الذي لا يلائم شخصه ولا ذوقه أبدًا وغمغمت...

-انت..انت بتحب الحجات دي !!

ازاي دا انت ميبانش عليك


كتم ضحكته وهو يحرك رأسه بجديه ويتنهد ناظرًا في السقف بتمنى وهو يغمض عيناه مستلذًا..

-ميبانش عليا ايه يابت انتي..وبعدين البلدي يوكل

هو في أحلى من ان الست تلبس الحجات الحلوة دي

وترقص كدا على صوت الست شفيقة وهي بتغني جاي بيشكي راااجع يبكي !


رمشت عيناها تباعًا وهي تحدق في وجه زوجها الذي لازال مغمض العين ويردد كلمات " الست شفيقة" وهو في حالة نشوة غريبة فهمست دون استيعاب...

-قولي انك بتهزر !!!؟


لم يجيبها بل ضحك ساخرًا وهو يتنهد هامسًا ويغمض عيناه مره أخرى...

-بهزر ؟! اقول ايه بس..دا فن فن ميفهموش الا الراجل المصري الي بيفهم في الفن


نبرته الواثقة والتلقائية جعلتها تنظر للغرفة حولها والذي كانت تشير للرقي والثراء

ثم تحول نظرها لزوجها الذي لا يبدو ابدًا كهيئة رجل شعبي يحب أن يرى زوجته تتمايل له ببدلة راقصة على نغمات شعبية بحتة عفى عليها الزمن

ولوهلة تخيلته يجلس على أريكة شعبية والاضائه الحمراء تلوح من حوله وبيده "لي الشيشة" وهو يحرك رأسه مستمتعا وهي ترقص أمامه !!!

حركت رأسها نافية بسرعة تحاول طرد ذاك التخيل الذي يلحد بكل قوانين المنطق والتعقل..شَريف وشيشة ورقص وشفيقة !!!


اقشعر جسدها بطريقة غريبة وهي تحرك رأسها نافية بسرعة رافضة ذاك التخيل الذي لا يقرب للمنطق او للعقل

او حتى لطبيعة زوجها واسرته وعقليته !!!

استفاقت على تنهيدته وهو يتمدد علر فراشه يضع يداه أسفل رأسه ويهمس بحسرة...

-الله يسامحك جريتي ريقي على أخر الليل..يلا ننام ياحبيبتي عشان ورايا شغل الصبح بدري


أنهى كلماته وهو يطفأ الإنارة جواره ويغمض عيناه متنهدًا ولازال يردد كلمات شفيقة باندماج..بينما ريشة تحدق فيه دون استيعاب وهي ترفع الهاتف لوجهها من جديد تنظر للموديلات وهي تغمغم مندهشة..

-شفيقة !!؟


                               ***

نظرت رغدة للرسائل بين ريشة وغزال وهي تبتسم على سذاجتها واندفاعهما في المشاعر واثبات من هي أكثر خبرة في الزواج وذوق أزواجهن..لا تدريان أن الرجال أبسط من أن يركزوا انتباههم على كل تلك الترتيبات والنزاعات الانوثية المتعارضة في اذواقهم !!؟


وقفت بخطواتٍ مترددة تقف أمام خزانتها وتفتحها تحدق في ملابسها الأنوثية المتنوعة بين غلالات النوم الناعمة وأخرى الجريئة..وأخرى راقية وأخرى تحمل الذوق الشرقي

مررت كفها على الغلالات المعلقة تتلمسهم بشرود وهي تفكر..يومًا ما كنت مثل غزال وريشة

كانت تسعى لابهار حسن كل ليلة بهيئة جديدة تجعله راضيًا كل الرضا عن زوجته التي تجيد استخدام جمالها وتظهر أمامه دائمًا جميلة مغرية دافئة " تعفه" بحلاله


ابتسامة غريبة ارتسمت على ثغرها وهي تتذكر جنونها في تنوع هيأتها أمامه حسب الموضة والملابس العصرية  الدراجة بين الممثلات المفضلات له..فكلما سمعته يمدح ممثلة ما سواء كانت عربية أو اجنبية..حتى لو كان مدحه لأدائها أو ادوارها الناجحة في السينما والتلفاز

 دون تفكير وفي اليوم التالي تعتمدت هيأتها سواءً في لون الشعر تو الملابس أو زينة الوجه مع القليل من لمساتها التي كانت كإمضاء "لرغدة"  فتبهره بقدرتها على التغيير وفرض جمالها عليه سواءٍ بذوقها الخاص او بذوق النساء الاخريات !؟


في العام الواحد تعتمدت أكثر من ثلاث او أربع 


فكان حسن أكثر من راضيًا على حياته الخالية من الملل

ورغم أنها كانت منشغلة بطفليها والاهتمام بهما والاهتمام بالمنزل ونظافته إلا أن اناقتها وجمالها ونظافتها لم يقل معدلاتهم أبدًا..بل كانت حريصة الثبات على تقييد زوجها بما يحبه ويرضيه

ورغم كل هذا..نظر لأخرى !!؟؟


توقفت أناملها على أحد الغلالات التي كانت تحب ارتدائها لحسن..وهو أيضًا كان يحبها للغاية

فهي أول غلالة ارتدتها لها بعد ليلة زفافهما

فكانت الأحب والأقرب لقلبيهما بسبب ذكراها الدافئة التي جمعتهما معًا لأول مره في عشقٍ متقدد يكاد يحرقهما بناره


سحبت الغلالة ونظرت لها مليًا تمرر أناملها عليها وكأنها تتحسس تلك الذكرى الغالية..كأنها تداعب مشاعرها الرقيقة حينما كانت تذوب في عشق ذاك الرجل

تتلمس أحلامها بحياتهما معًا..تربت على أمالها التي هُدمت فوق رأسها

اخرجت تنهيدة مرتجفة وهي تضعه على الفراش وتنزع ثيابها قطعة تلو قطعة..تتجرد من كل تلك الأقمشة التي تحجب جسدها عنه وكأنها حاجز تضعه بصرامة كي تكبح انوثتها عنه وتحرمه من ثمار حلاله

ثم ببطئٍ شديد ادخلت رأسها في الثوب الحريري فينسدل على جسدها بنعومة افتقدتها من بُعد انقطاعها من ارتداء تلك الثياب الرقيقة الناعمة


وقفت أمام المرآه تحدق في انعكاسها وهي ترى نفسها بعين الماضي..تنظر لجسدها الذي احتفظ بجاذبيته رغم ولادة طفلان إلا أن اهتمامها بنفسها لم يختفي

تتذكر جيدًا أنها خضعت لتدريباتٍ قاسية عقب الولادة كي تنقص وزنها وتعود للياقتها في أسرع وقت

ونجحت في ذالك ونقص وزنها بشكلٍ معتدل

ولكن بمجرد النظر لهيأتها الان..فقد نقص وزنها بشكلٍ مضاعف، ماعاد وجهها متتلئ بوجنتان مرتفعتان تغريان زوجها ليقضمها كتفاحٍ غربي كما كان يخبرها في الماضي

بل أن وجهها فقد حمرته وحيويته وقد انعكست حالتها النفسية عليه


مدت كفها تفك عقدة شعرها فنزلت خصلاتها الناعمة حول وجهها ببعض التشعث..فنظمته بأناملها وجلست أمام مرآتها بعينان فارغتان وكفها يذهب لمكان الحمرة التي كانت تعشقها..لا لم تكن حُمره حمراء..بل قلم زينة بُنيًا تحب أن تطلي ثغرها به..بالفعل جرى قلم الزينة على حدود شفتاها يرسمه بأنامل احترافية تونبئ عن خبرة صاحبته

وتلاه قلم الكحل الذي كحلت به عيناها الواسعتان بلون الحجر الأسود الفاحم..ثم حمرة الوجنتان التي اعطت لوجهها الحياة


وضعت الفرشاة وهي تعاود النظر لهيئتها دون أن تطرف عيناها..ورغم أن عيناها احترقت ولكنها تماسكت

كي لا تطرفها فيغزوها الدمع وتبكي

فهي لا تود ان تبكي في هذه اللحظة..بل تود اطالة النظر في هيئتها علها ترمم انكسار انوثتها من الغدر الذي حطمها

تحاول أن تتذكر نفسها القديمة

رغدة التي كانت تشع ثقة بالنفس وحياة

وليست تلك الضعيفة المنكسرة التي تُمثل التماسك أمام الجميع وفي داخلها طفلة منكسرة الخاطر

ومايؤذيها أكثر أنا تمثل تلك القوة أمام أكثر انسان تمنت أن يحتوي ضعفها..بل أكثر انسان تمنت ألا يكون ضعفها هذا بسببه


ارتعش ثغرها وطرفت عيناها بالدموع وهي تنظر لغلالتها على جسدها..تشعر بالشفقة على تلك الغلالة التي فقدت معناها في هذه اللحظة..لم تعد تلك التي شهدت على ليالٍ حميمة ولحظات رقيقة

بل خلقت لها ذكرى جديدة تشهد على ضعفها في تلك اللحظة!؟..لا تدري افعلت هذا لتنتقم من حسن أم الغلالة

أم انها باتت مبدعة في إيلام نفسها !!


استفاقت من شرودها على صوت فتح باب الغرفة وحسن يظهر من خلفه مصدرًا ضجة بمفاتيحة وبصافرته الخافتة

تلك الصافرة التي اختفت وأنامله التي استكانت وهو ينظر لزوجته الجالسة أمام المرآه بكامل زينتها وجمالها

في هيئة افتقدها منذ شهور وشهور

جمالها الذي سُلب منه في طرفة عين بسبب وقوعه في خطأ فادح..جنتها التي طردته منها بسبب عصيانه

هل مايراه الان حقيقي !؟

هل تزينت لأجل عيناه ولاجل عودته لوطنه الأم بين ذراعاها..!؟..هل غفرت ذنبه وتقبلت توبته وقررت البدء من  جديد!؟ أم ان عيناه تخونانه وأجادت رسم محبوبته في وهمٍ مُعذب لقلبه !!


ولكن ماأن التفتت له ونظرت له تلك النظرة المنطفأة في عيناها..نظرة ذكرته أنها ليست وهمًا..بل وأنها لم تصفح أو تنسى..بل عينان رغم زينتهما حزينتان تحويان من الخذلان أطنانً..عينان انطفأ الشغف فيها ومابقى منها سوى الحب الحزين


اندثر تحفز جسده واختفى ذهوله وسكنته الكآبة وتهدل كتفاه..ويشهد الله أن رغم جفاف عيناه من الدموع إلا أنها تحرقانه من رؤية الدموع في عيناها

اقترب منها خطواتٍ بطيئة ينتزعها من المقعد بقوة ويعانقها لصدره يضمها بقوة ويده تربت على مرخرة رأسها والاخرى تحاوط خصرها من فوق الحرير

فبادلته العناق وهي تشهق باكية وتضع وجهها في عنقه هامسة بألم وأنفاس مختنقة...

-مش قادرة ياحسن..مش قادرة أنسى

مش قادرة اتجاوز الي حصل..ليه كدا ياحسن عملت فيا كدا ليه، انت عارفني مبنساش..مش قادرة منساش الي حصل..مش قادرة أعيش كدا صدقني


كلماتها جعلته يتمسك بها بخوف أن تعاود وتطلب الانفصال..النيران تبتلعه بلا شفقة أو رحمة

بين نار أن يرحمها من عذابها ويطلق صراحها فيتلظى هو بتوابع غيابها الذي سيدمره بلا شك

وبين أن يحتفظ بها بأنانية فيزداد الألم في قلبها وتكرهه

اغمض عيناه وتمسك بها كي يخفي ارتعاشه

وهمس بنبرة كانت كنصل السكين في حلقه...

-عايزة نتطلق !


شهقات متتابعة خرجت من فمها وشعر بدموعها في عنقه وهي تحرك رأسها نافية وتهمس منهارة...

-بردو مش هقدر..لا قادرة اسيبك ولا قادرة أكون معاك وانا لسه بتعذب، ساعدني أنسى ياحسن

مش قادرة اعيش كدا ساعدني انسى ارجووك


توسلها الباكي جعل انفاسه تتحشرج بعجز وهو لا يدري

مالذي عليه فعله..كيف يساعدها وهو يدري أنها رغم كل مميزاتها تملك عيب الذاكرة القوية والألم النابض

ربت على ظهرها قائلا بنبرة أشد توسلا منها...

-قوليلي اعمل ايه وهعمله..أعمل ايه يرضيكي

امشي ولا اقعد..ابعد ولا أقرب، اريحك ازاي يارغدة


ابتعدت عن ذراعاه فرأى وجهها المخضب بالدمع وبقايا الكحل..وزينتها التي فسدت والتصقت بقميصه الناصع

فرفعت كفها تمسح دموعها بقوة وهو تقول بنبرة مرتجفة

-هنبدء من جديد..من جديد خالص

انا هحاول..وانت حاول..يمكن ننجح ونتخطى


ثم تابعت بنبرة حاسمة رغم اختناقها...

-ولو فشلنا مش هنكمل..اتفقنا !؟


كان يحدق بها بنظرات حائرة مشتتة..وقد دب الخطر في قلبه بعد الجملة الأخيرة "لو فشلنا مش هنكمل"

حتى لو حاولا سيظل خائفًا مترقبًا لتركها له

سيعيش الخوف والقلق اللذان سيجعلانه يخفق دون قصد فتضيع فرصته..فظهر خوفه في عيناه فقالت سريعًا...

-انا هعمل كل الي في مقدرتي..متخافش


ثم ابتعدت سريعًا إلى خزانتها تفتش بها بأنامل مرتعشة

تبعثر ملابسها إلى أن امسكت غلالة لم ترتديها قط

غلالة باللون الأصفر الذي لا يفضله حسن أبدًا

ولكن اختارته لأن لكل لون في خزانتها ذكرى لهما

وهي لا تود تلويث ذكرياتهم السابقة كما فعلت في غلالتها الحبيبة الان

التفتت له ترفع الغلالة وتقول بنبرة مهتزة تحمل الاصرار..

-انا هدخل اغير واجيلك


غابت خارج الغرفة وتركته واقفًا وحيدًا..يحدق في اثرها بوجهٍ باهت كئيب وعينان غائرتان وهو لاول مره لا يدري مالذي تفكر في رغدة..هو الذي يحفظها كخطوط كفه لا يدري مالذي ستفعله..لا يدري بما تفكر !؟

ظل متصنمًا إلى أن رأها تدلف الغرفة مرتدية تلك الغلالة المغرية ذات اللون الأصفر..كانت قصيرة تكشف عن فخذاها..ذات حمالاتان رقيقتان وماتحتهما يكشفان عن فتنة جسدها بطريقة ناعمة ليست فجة

وقد غسلت وجهها بالماء فاختفت لطشات الزينة وبقى أثر الكحل الخفيف أسفل عيناها


اقتربت منه ووقفت أمامه تمامًا تنظر في وجهه بثبات وقد اختفى اثر البكاء من عيناها وبدى الاصرار جلي على ملامحها الحادة وهي تقول...

-انا خلصت


لم يتحرك حسن قيد انملة وظل ساكنًا يحدق فيها بكآبة وصمت..بدى الرفص في عيناه وهو يحرك راسه نافيًا أن يلمسها في أحلك اوقاتها ضعفًا فغمغم نافيًا...

-لا يارغدة


لم تأبه لاعتراضه واقتربت منه أكثر تلتصق في جسده وترفع كفه الباردة تضعها على خصرها وهي تقول بتماسك تمنع الارتجاف على صوتها..

-ذكريات جديدة ياحسن


كاد ينزع كفه ولكن تمسكت به أكثر مغمغمة بنبرة أعلى وأكثر يأسًا...

-حســن


كانت ترجوه او تصيح يأسه او تحذره

ماعاد يعلمها..ماعادت رغدة التي يعرفها

ولكن سواء كانت هي او لا..لن يسايرها فيما تريده

فمع خيوط الصباح ستكره وتكره نفسها ألف مره..لن يستطع رؤية الكره والبغض في عيناها..يكفيه رؤية العتاب والخذلان..صدقًا لن يستطع

نزع يده من خصرها وكوب وجهها يهدهدها بنبرة خافتة ملتاعة...

-هتكرهيني يارغدة..هتكرهيني وتكرهي نفسك


حركت رأسها بعنف فسقطت دماعاتها تخونها مغمغمة..

-اسمع كلامي المرادي..خلينا نلحق الي بينا

مش عايزة افتكر رغدة او حسن القُدام..أنا مُصرة ياحسن


زفر بأنفاس اخرجها بمشقة

يرفض امرأته الذي يموت بها عشقًا لصالحها

وتصر هي رغم زهدها فيه..يعلم أنها زهدته وماعادت تحبه

يعلم أن خطأه قتل مابينهما..ورغم ذلك بعينان لامعتان تحرقانه وانفاسٍ مضطربة تحمل غصة في حلقه

قربها منه يلامس شفتاها القريبتان منه..يقبلها قبلة مترددة

وعقله يحذره ألف مره..وقبل أن يبتعد كانت هي تجذب رأسه وتقبله بطريقة أعمق وأكثر يأسًا..أكثر شجنًا وألمًا

وفي قلبها نوطة تقاومها بكل قوتها..تحاول الثبات وهي تذكر قلبها وعقلها وجسدها أن هذا حسن لا غيره

هذا حبها الأول

عشقها السرمدي

أب اطفالها

جزء من روحها وحياتها


هذا حسن الحبيب..فارسها الجميل

بيتها وعائلتها وكل مالها في الحياة

هذا حسن...هذا حسن


ظلت تردد تلك الكلمات في عقلها طوال ليلتهم الصعبة عليهما التي لم تكن تحوي نيران العشق والجنون والاندفاع كما السابق..بل كانت يغزوها الشجن والدموع..رغم تقاربهما إلا ان الدموع لم تجف من أعينهما

نهنهات البكاء كانت موسيقاهم الحزينة

توسلاته بأن تغفر له..توسلات جعلتها تبكي له وعليه

تعانقه وتربت على ظهره الدافئ ولا لا تدري أتواسيه أم تواسي نفسها..تُسكت كلماتها المعتذرة بقبلاتها علها تنسى

ولكن اتضح لها انها لو نسيت ماحدث..حسن لن ينسى أبدًا


ورغم أن الصباح طلع عليهما متعانقان

كان القميص الأصفر مُلقى في أحد الزوايا لا يدري موقعة من الاعراب..أهو شاهد على ذكرى وبداية جديدة

أم على أخرى حزينة تُسطر نهايتها بالدمع والدم !!


والأولى كانت اقرب للصواب..رغم المصاعب ولكنها اقرب للصواب..

                             ***

NameEmailMessage