JavaScript is not enabled!...Please enable javascript in your browser

جافا سكريبت غير ممكن! ... الرجاء تفعيل الجافا سكريبت في متصفحك.

-->
الصفحة الرئيسية

رواية رد قلبي الجزء الثاني (الفصل الثامن والستون "الجزء الثاني"

 

رواية رد قلبي الجزء الثاني
الفصل الثامن والستون "الجزء الثاني"
............................................................................

لاف وكومنت برأيك بعد قرائة الفصل
                                ****
نبضاتها العالية تقرع كأجراس كنيسة
كفاها باردان ويزدادا بروده كلما نظرت لهيئتها في المرأه ورأت تبرجها الذي يناسب زفافها اليوم
ربااه..زفافها !
اليوم زفافها بعد كثير من الأحداث الغريبة والمتشابكة..أحداث مرت كدهر كامل واليوم هو زفافها؟

استفاقت من شرودها على كلمات والدتها وهي تغمغم سعيدة أن العريس قد حضر
وقفت سريعا وهي تحاول التنفس براحة او تنظيم خفقاتها المضطربة..وقبل أن تزفر
وجدت عبدالرحمن يدلف لغرفة الفندق وهو يمسك ورود عباد الشمس المجموعة في ورق يشبه ورق المراسيل القديمة..تلسمت رغم توترها وهي ترى في يده زهرتها المفضلة
أما هو فظل ينظر لها للحظات دون أن يبدي أي ردة فعل..

يحدق في فستانها الغير منفوش كسائر فساتين الزفاف..بل أنها اختارت فستان ذو طبقات رقيقة من التل وبه زخرفة رقيقة على الصدر وتنتهي عند خصرها النحيل..وجهها مزين بقليل من المساحيق التي أبرزت ملامحها ولم تطمسها به

وخصلاتها القصيرة كانت مصففة بعناية دون أن تعقده في تسريحات معقدة..وقد اكتفت بوضع طوق من ورود الياسمين جعلتها وكأنها أميرة من الزمن الغابر..أو أنها فتاة خيالية هاربة من قصص تلائم عالمها الوردي
كانت أبسط من أن تكون عروس..وأجمل من أن تكون امراة عادية
كانت كما تكون دوما
سارة المتفردة في كل شيء..انها سارة

اقترب منها يعطيها ورودها الأثيرة ومال على رأسها يقبله قبلة رقيقة وقد اندلعت حولهما الزغاريد السعيدة من والدته ووالدة العروس والسيدة أمنية وبعض الفتيات صديقات سارة في الجامعة
ثم امسك كفها وسار بها دون أن يقول كلمة..
فأوقفه والدها وهو يقول بهدوء وقد رأى الدموع في عيناه ...

-انزل انت القاعة وأنا هسلمهالك تحت

حرك عبدالرحمن رأسه بإيجاب وترك يدها وسار لأسفل الفندق حيث قاعة الاحتفال
أما والد سارة فوقف أمامها يحدق في ابنته الرقيقة وغصة البكاء ترتفع لحلقه..ودموعه تظهر من خلف زجاجتاي نظارته وهو يقترب منها ويقبل جبينها هامسا بصوت متحشرج...

-مبروك ياسارة..ربنا يسعدك ياحبيبتي..أنا عمري ماكنت عايز الا مصلحتك وراحتك
أنا دايما موجود حواليكي..محدش هيحبك قدي رغم قسوتي عليكي

حركت راسها وهي تحاول التحكم في دموع عيناها فرغم قسوة والدها عليها إلا أنها يكفيها وجوده
تكفيها تلك الكلمات الصادقة التي لم تخرج سوى في أضيق الحدود بل ونادرا
تمنت لو أنها تخبره ألا يقسوا عليها وأن يكون جوارها في الان ذاته
ولكنها صمتت وبادلته عناقه بصمت وهي تربت على ظهره
وتتحرك معه نحو قاعة الزفاف المقام في افضل الفنادق في الاسكندرية

وحينما وصلوا للقاعة استقبلهم عبدالرحمن للمره الثانية وهو يعانق والدها ويستمع لنصائحه
ثم يمسك كفها يقبله ويتحرك بها نحو ساحة الرقص ليفتتحوا زفافهما بتلك الرقصة العاطفية
اقترب منها وحاوط خصرها برقة وحذر وتلقائيا رفعت يداها اللتان تعرفان طريقهما لخلف عنقه
وبخطوات جريئة قربها منه اكثر وبدء يتمايل بها بكل خفة وراشقة يراقصها على كلمات الاغنية العاطفية
ومع كل ميلة كان ينظر لوجهها نظرة غريبة..نظرة وكأنها فضاء واسع يبتلعها بين عوالمه...

وكأنها أخر امرأة خلقت على الأرض..وكأنها ترياق قلبه وعلة جسده
وكأنها الفاكهة المحرمة وهو ادم الضعيف أمامها..وكأنها امرأته الأثيرة
وكأنها ! ...لا ليس وكأنها
بل هي امرأته سارة..ضلعه الأعوج الحبيب
محبوبته التي لطالما كانت سببا لتسارع نبضات قلبه المسكين..

امرأته التي كان يسترق النظر لها من بين طلابه
التي كان لأجلها يذهب خصيصا لمسرح الجامعة كي يراقبها وهي تعزف أوتار جيتارها
لا بل أوتار روحه وقلبه وكيانه
سارة التي كانت سببا لألمه حينما ارتبطت برجل أخر وكان ينظر لها نظرة المتأخر عن قطار الحياة
سارة هي الحياة..والحياة مره دون سارة

بتتذكري أول مره اتلاقينا
كنا خايفين تتلامس ايدينا
خايفين من نظرات الناس الي حوالينا
أول مره بحبك حكتيلي
كيف كنتي تمسكيلي ايدي
كيف تسمعيني وانا احتويكي
ونهار كنت استنى يتغير اللون
قلبي بكفي وصلاة بالجفون
قومت على حيلي كإني مجنون
واذا اتحرك جفنك من فراشي اقوم
تحرم علي الراحة وماتنحرمي النوم
انتي يالي علشانك إجت هاي النجوم
راسم كل أيامي معك جوا هاي الجفون
ياما سهرت الليالي فدا هاي العينون
تعي معي كوني إلي وانا إلك بكون

مع كل كلمة من كلمات الاغنية العاطفية كانت يتمسك بها أكثر يضمها لصدره تارة ويتمسك بكفها الذي يحاوط عنقه تارة أخرى..يتصرف براحة غريبة دون أن يعطي اي انتباه لمن حولهم
فقط يراقصها وهي هائم في عالم أخر..أو انه ذهنه غاب في عالم أخر..خاصة حينما أبعدها عن عناقه
وطالت نظراته لها وطال صمته أكثر وأكثر إلى أن قالت مرتبكة ضائعة في مشاعره التي تربكها..

-بتبصلي كدا ليه

حرك رأسه بإيجاب وتحدث بعدها بنبرة رخيمة شاردة وهو يمسح على وجنتها بإبهامة وعيناه تبتلعان وجهه تحتويانها بأكثر النظرات رقة وحبا..

-فاكرة الاغنية الي شغالة دي !

عقدت حاجباها وهي تركز على كلمات الاغنية فعقدت حاجباها وهي تتذكر كلماتها جيدا
فتلك أحد أغانيها المفضلة التي كانت تغنيها مع رفاقها في مسرح الجامعة وتعزف على جيتارها وهي تتذوقها بتمهل واستمتاع بمعانيها الرقيقة
فبدت نظرة التعجب في عيناها وهي لا تفهم سبب نظرته تلك وتعليقه على الاغنية
فتحدث بنبرته الرخيمة وهو يسترجع صوتها في ذاكرته حينما كانت تعانق جيتارها وتغنيها مغمضة العينان..

-اليوم الي غنيتي لاغنية دي في مسرح الجامعة السنة الي فاتت..دي كانت أول مره أشوفك بتغني وبتعزفي
كانت أول مره احبك فيها ياسارة..مقدرتش اسمع الاغنية دي تاني الا بصوتك بس

راح صوتها الناعم يغرد في ذاكرته وهي تردد بصوتها الخافت وأصابعها اللتان تلعبان على أوتار جيتارها وقلبه..ذاك اليوم الذي كانت تغني به وهي مغمضة العينان وثغرها يبتسم أحب ابتساماتها لقلبه
وأولهم لعيناه المذهولتان من تلك الفتاة هزيلة الجسد قصيرة الشعر والقامة التي تجلس مع رفاقها من الاناث والذكور وتعزف وتغني لهم بتلك الانسيابية والراحة

وهو الذي أتى ليزجرهم على تأخرهم في المسرح رغم بدء محاضراتهم منذ نصف ساعة أو أكثر
لم يدري بنفسه الا وهو يقف في أحد الجوانب المظلمة في المسرح يحدق بها فقط
وهي تغني..تغني لقلبه ربما

بتذكر لما كنا نبعد عن الناس
كنتي أذاني وكنت لك أجراس
كنتي الشي الي مصبرني
ومعطيني امال ودافع واحساس
بتذكر أول مره من كل شي
كنتي بتبكي وبتبتسمي

يتذكر أنها في هذه الجملة ابتسمت وسط غنائها ومالت رأسها ومالت معها خصلاتها القصيرة..وقلبه
ومارست أولى تأثيراتها عليه ليكون من بعدها اسيرا لصوتها وابتسامتها ووجهها وحتى عيناها المغلقة
حتى حينما فتحت عيناها ورددت باقي الاغنية كان لازال واقفا يراقبها بلا ملل..ولا ردة فعل
فقط يحدق بها وبسكناتها ولفتتاتها

وعيونك تضحكلي وع السطوح نغني
محلاكي وانتي تغني
مابكره فيكي الا غيابك عني
بس بكره حالي لاني جريئ
بستغرب نفسي قدامك بسيط
بس تغرب نفسي بتغطى بمحيط
وابقى غريب
لحالي غريق
بستنى حلمي يتحقق قريب
بستنى شموسك تضويلي وميض

في أخر جملة كانت اغنيتها في عقله انتهت..وانتهت الاغنية الأصلية ايضا
وقلبه يسأله..هل بزواجه منها الان تحقق حلمه..هل ستضوي حياته بحبها ومشاعرها نحوه
اتكتمل سعادته الان بحبها له..ولكن متى..!
انتهت الاغنية وصمتت الاصوات حولهما ولازال يتمسك بها يمسح وجنتها بإبهامه ويسألها سؤاله الذي خرج رغم أنف كرامته...

-هتحبيني امتى ياسارة !

نظرت سارة حولهما تحدق في الضيوف الذين ينظرون لهما بضحكة عابثة وأخرى محتارة لوقوفهم هكذا
فتحدثت وهي تحاول الابتعاد عنه هامسة بتوتر من سؤاله ومن نظرات الجمع الذي يحيطونهما بفضولهم...

-عبدالرحمن المعازيم بيبصولنا..الاغنية خلصت من بدري

تمسك بمرفقها يمنعها من الابتعاد عنها وقد أغلق على عقله أقفال عدة وألقى مفاتيحهم بعيدا فتمتم بإصرار بدى يائس وراجي يخلوا منه اي راحة..بقلب يقتله الظمأ...

-ردي عليا يا سارة أنا أهم من الناس

عيناه الواسعتان التي يطل منهما صورتها مهزوزة..ونبرة يسيل منها نهرا من الرجاء
قبضة تبدو في ظاهرها قوية ولكنها في الأصل أرق من عود نعناع يتدلى من شجرته
هيأته الوسيمة في بذلته السوداء التقليدية..وقميصه الأبيض المهندم على صدره
وذاك المنديل الذي يزين الجيب العلوي لبدلته..كل مافيه كان جميلا براقا
فيما عدى نظراته المصرة..كانت نظراته تهدد بالانتطفاء والغضب والأعاصير
الطمأنينة والسكون هما أبعد مايكون عن ذاك الرجل الذي يقف أمامها..يرجوها بعيناه الحب

يرجو نهرا حبها الذي يمثل له خمرا في عشقه..فيثمل ويذوب أو يسقط قتيل
ينظر لها وكأنها فروديت العصر..أو أنها فينوس خاصته
وكأنها اختزلت كل النساء الجميلات خلف ملامحها
نظرة جعلتها تتوقف عن الابتعاد وتستكين أمامه وهي تنظر لعيناه العسليتان الصافيتان كروحه العذبة وهمست وهي تقاوم حرجها وخجلها وترفع كفها وتضعه على وجنته الحليقة تربت عليها بكل لطف ككف أم حنون..

-مش هكون هنا لو مش حاسة ناحيتك حاجه ياعبدالرحمن ومفيش واحدة حرة تقدر تتجوز واحد على الأقل مش بترتاحله وبتشوف أمانها معاه..اكيد مش بحبك نفس درجة حبك ليا
بس متأكدة انك تستاهل أكتر بكتير..وأنا بكل طاقتي هحاول أسعدك واديك الي تستحقه من حب واحترام وتقدير
طول ماانت منطقة الأمان ليا وصاحبي الي مبخافش منه وجوزي الي بتسند عليه وشريكي في أكبر التفاصيل وأصغرها..اتأكد اني وقتها مش هكون بحبك بس..ساعتها هيكون معاك قلبى ومفاتيحه ياعبدالرحمن

كيف استطاع أن يجعل عيناه كشمس ساطعة بعد كلماتها هكذا
كيف لابتسامته أن تكون ظاهرة وصادقة بتلك القوة والاقبال
وكيف يسمح لجرأته أن تخرج كأفعال وهو يجذبها ويعانقها بتلك القوة والحرارة ويميل بها يمينا ويسار
ويتمسك بها يدفنها في صدره يحتويها يتجاهل تلك التصفيقات العالية وصفارات الاعجاب من اصدقائه وأقاربه
يتجاهل تلك الضحكات والغمزات حوالهما..كل مايهمه أنها قطعت وعدا لتوها..وعدته أنها ستعطيه قلبها ومفاتيحه..مسألة وقت فقط ويكون من أهل ذاك القلب

دقائق وبدات الأغاني الصاخبة الحماسية تسود الأجواء
الفتيات يتجمعن حول العروس يرقصن معها بكل سعادة وهي تتمايل معهن في فستانها الرقيق الذي يناسب شخصيتها
أما عبدالرحمن فكان منهمك في الرقص الحماسي مع زملائه وأقاربه وأصدقائه
ورغم عدم خبرته في موجة ذاك الرقص الذي يخالف طبيعته الهادئة

ولكن السعادة كانت كالبنزين أو الطاقة له..فكان يتحرك بعشوائية وابتسامته تتسع في وجهه
وكيف لا يبتسم سعيدا؟
اليوم سيعود الي شقة الزوجية مع أكثر فتاة تمناها من الدنيا ورجاها من الله رغم كل المستحيلات والعواقب
اليوم سيعود منزله وهو فائز بها..هي غنيمته من الدنيا وسرور نفسه وسكينة لحظاته

سعادته كانت تنافي وجوم ذاك الذي كان يجلس على طاولة بعيدة نسبيا عن الحضور
كان هو ووالداه وخطيبته صامتون تماما..وكأن الزفاف وأصحابه لا يعنونهم
ولكل منهم سببا لسكونهم ذاك

وسبب يتلخص في فاتح
كبير العائلة في الشباب والزوج السابق لسارة..او الخطيب السابق
ذاك الذي كان ينظر لها وهي ترقص مع صديقاتها نظرات باهتة خاوية كصحراء قاحلة
يرى ابتسامتها وفمها الذي يتمتم بالاغنيات ويتسائل في نفسه
لو كان هذا زفافهم اكانت ستكون سعيدة ومبتسمة هكذا..أكانت ستبدو بهذا الاشراق والبهاء
ولو كان هو في محل ذاك الذي تزوجها..أكان سيكون محلقا فوق السحاب من فرط سعادته مثله !
وكان الاخر ليكون جالس محله ويرمقهما بحسد كحاله الان !

زادت المرارة في فمه أكثر وهو يشيح وجهه عن سارة ويصتدم بعيناه لعيني خطيبته
التي تنظر له بهدوء يتوارى خلفه التمرد..فلم يخفى عنها نظرات خطيبها للعروس الصغيرة ابنة عمه
لم تغفل عن قبضته التي تتجمع وتنبسط بغير راحة وكأنه يود لكم أحدهم بها
ولا نظرته المتحسرة وهو يراقب امرأة أخرى

وبنظرة لأبعد بعض الخطوات لم تغفل عن تلك الفتاة التي تدعى رجاء تحدق في فاتح وفيها بنظرات مقهورة غيورة
نظرات متحسرة تطابق نظرات فاتح لسارة..نظراتها كانت حادة كسكين قاتلة
فتبسمت شجن وهي تهمس في عقلها بسخرية..

-زي كل عيلة فيها مثلث حب..يازين مااختارت والله

انتبه فاتح لكلماتها الهامسة فعقد حاجباه مستفسرا..
-بتقولي ايه !

رفعت كفها تضبط حجابها الأنيق وهي تبتسم تلك الابتسامة الساخرة...
-لا بقول لنفسي ان الفرح حلو..ابقا فكرني نعمل فرحنا في نفس المكان

حرك رأسه دون أي ردة فعل وأعاد عيناه لسارة مره أخرى دون ملل

بعد ساعة من انتهاء الزفاف ووصول عبدالرحمن وسارة لشقتهما بعدما أوصلتهما العائلتان
وهم يصونهما على بعضهم البعض..يرددون نصائح كثيرة لم يكن عبدالرحمن بحاجه لها
أما سارة فكانت تستمع لوالدتها بأذان صاغية وهي تختزن النصائح في عقلها بحرص
ثم انتهى بها هي وعبدالرحمن واقفان بمفردهما في غرفة الجلوس..

يحدقان في بعضهما بنظرات تتلون بألوان الارتباك والتوتر والسعادة والطمأنينة
فسارة تمسك بطرفي فستانها الرقيق ذو الطبقات الرقيقة وتشد عليه بتوتر وعيناها تجريان حولها بنظرات عاجزة متوترة..ورهبة العذراء تقيد جسدها وعقلها

اما عبدالرحمن فبدا مرتاحا رغم نظراته المشتتة وهو يرى توترها وخوفها الساكن في عيناها
فخلع مافوق قميص بدلته ووضعه على مسند الأريكة بنظام
ثم عبث في خصلاته لثوان والصمت يزيد توترهما فقال أخيرا بصوت بدى فيه بعض الحماس المصطنع ليطمئنها...

-انا جعان جدا..انتي مجوعتيش !

رفعت نظراتها له وهي تعقد حاجباها دون انتباه ..
-ايه !

-بقولك أنا جعان..وطول اليوم مكلتش حاجه
ادخلي غيري هدومك على ما انا كمان أغير هدومي ونقعد ناكل
ماما محضرة الأكل على السفرة

حركت رأسها بإيجاب وهي تكاد تتنهد براحة وقد كسبت وقت اضافي قبل أن يعود رهاب ليلة الزفاف مره اخرى..فتحركت خطوات سريعة لغرفتهما ولكن تمسك عبدالرحمن بمرفقها يوقفها وهو يهمس بصوت غير متماسك ولكه مطمئن..

-استني يااسارة

تصنمت محلها وارتعش جسدها وهي تشعر بكفه يرتفع لظهرها ويجذب سحاب الفستان ينزله لأخره
فكادت تنتفض بفزع تلتفت له وضربات قلبها تقرع بقوة وقد ارتعش جسدها خط الهواء يداعب ظهرها المكشوف
ولكنها لم ترى على وجهه سوى الملامح المطمئنة وهو يربت على كتفها قائلا...

-مكنتيش هتعرفي تغيري الفستان لوحدك..دلوقتي تقدري تغيريه بسهولة
البسي حاجه مريحة بعد يومنا الطويل المتعب دا

أيما تصدق فيه
عيناه غير بريئتان التي تحمل نظرة رجل لامرأته
أم تصدق ملامحه المطمئنة وكلماته الناعمة التي تهدئ العواصف داخلها !
لما يبدو لها وكأنه ذئب صبور ؟
ولكنها ابتعدت عنه دون تفكير وهي تتنهد تحاول تهدئه فزعها وتتذكر كلمات والدتها التي طمئنت خوفها بكلمات مبهمة لم تفهمها بشكل كامل

ولكن لا بأس عبدالرحمن لن يؤذيها أبدا..المحب لا يؤذي محبوبته..هذا مفهومها وإيمانها
بالفعل بدلت ملابسها باخرى مريحة..ومريحة تلك كانت اختصار لبيجامتها المنزلية الحريرية ذات اللون الكرزي الانوثي
وقد تجاهلت تلك الغلالة الأنوثية الفاضحة الموضوعة على حافة الفراش
هو طلب منها أن ترتدي شيء مريح وليس مثير..والراحة لا تجتمع مع الاثارة

واتجهت للحمام الخاص بالغرفة كي تنظف وجهها من تبرجها وجففت وجهها
ومع كل لفتة لها كانت تفعلها ببطئ شديد تحاول أن تكسب بعض الوقت لنفسها
فجلست على حافة المغطس وهي تضع وجهها بين كفاها وتتنهد مرتبكة وقلقه
تحاول طمأنة نفسها ولكن دون جدوى..كلما هدأت انتفضت بعدها بخوف

وبعد وقت سمعت طرقات على باب الحمام جعلتها تشهق منتفضة وتنظر حولها بغير هدوء
ثم تمالكت فزعها وسارت لتفتح الباب وتنظر لوجه عبدالرحمن الذي بدل ثيابه بمنامه منزلية من القطن الأبيض
كان مرتب الهيئة مهندم الشعر ورائحة عطره وصابون الاستحمام تنبعث منه
هل طال وجودها في الحمام لدرجة انه استحم في حمام الضيوف !

على عكسها كانت شاحبة الوجه مشعثة الشعر الذي نسيت تسريحة من هول ارتباكها
وجدت عبدالرحمن يجذب كفها ويخرج بها من الحمام والغرفة متجها نحو السفرة يجلسها
وجلس جوارها يضع أمامها الطعام قائلا بإبتسامة مرتاحة..

-خدي كلي عشان وشك اصفر..اليوم كان طويل ومتعب ومكلناش فيه كويس

نظرت للطعام أمامها دون أن ترفع يدها وتأكل..ولكن يداها كانتا كالهلام كحال سائر جسدها
ولوهلة شعرت أنها لازالت صغيرة على الزواج..صغيرة على أمور الكبار وحياتهم
ومن المحتمل أن تنفجر باكية في أي لحظة
للمره الثانية أمسك عبدالرحمن كفها ووضع فيه الشوكة قائلا برفق...

-كلي ياسارة..متخافيش أنا هخليكي تاكلي وتنامي
التعب باين عليكي..متفكريش كتير وكلي

رفعت نظراتها الدامعة له وقد ارتاح قلبها قليلا فقالت بنبرة خافتة تكتم به بكاء متوتر...
-جسمي كله سايب ياعبدالرحمن..مش قادرة حتى أرفع ايدي

جعد جبينه للحظات وقد ترك شوكته وأمسك كفاها يدلكهما برفق كي تجري الدماء فيهما
ف القلق والخوف سببا لجسدها حالة من الخمول والسكون
كعادة سارة..حينما تخاف أو تقلق يصبح كفاها باردان ساكنان لا تستطيع تحريكهما حتى
وهو شهد على حالتها تلك في أحد الاختبارات الصعبة
لذا تنهد وربت على وجنتها قائلا بنبرة مازحة...

-كل الخوف دا مني يابنتي..ايه بس مالك ماانتي كنتي حلوة في الفرح
متخافيش ياسارة الي مش هيحصل دلوقتي هيحصل بعدين..احنا مبنتجوزش عشان كدا بس يعني
هنخلص أكل وتقومي تنامي..لو مش عايزة تنامي هنقعد نتكلم او نتفرج على التلفزيون
او حتى نسافر دلوقتي بدل ما  نسافر الصبح..في ألف حاجه نعملها غير الي انتي خايفة منه

أنهى كلماته وهو يرفع شوكتها المحملة بالطعام لفمها
ففتحت فمها تستقبل الطعام وقد ارتاح شيء ما بعيناها..وبدء خوفها ينحصر شيئا فشيئا
وكانت طمئنينتها تتضاعف مع كل كلمة يقولها لها بغرض ازاحة قلقها..او اطعامها بيده إلى أن قارب صحنها أن ينتهي..وهي تستمع لها بملامح مرتخية وتفتح فمها كلما رفع شوكتها لها

وبدأت ضحكاتها الخافتة تظهر على وجهها كلما سرد موقف ما حدث في زفافهما أو اثناء توضيب الشقة
لا تدري كيف استطاع ان يخرجها من نار قلقها إلى جنة طمأنينته
ورغم أن نظراته اللتان تتاملانها برغبة واضحة..إلا أن عقله كان أشد يقظه من أن يفزعها
حينها تأكدت أن عبدالرحمن ما هو إلا ذئب محب صبور

                                                  ***                           

تنهدت بحنق وهي تدثر أطفالها وتستعد للذهاب للغرفة الاخرى لتنام بها بعدما أصرت حماتها على أن يبيتوا ليلتهم معها في الشقة..حتى أنها رجت سلطان وغزال ألا يصعدا لشقتهما ويبيتا ليلتهم في ذات الشقة في غرفة سلطان القديمة التي كان يبيت فيها في شبابه
وبالتالي انطبق عليها الرجاء أن تبيت ليلتها مع حسن في غرفته القديمة..والغرفة الثالثة يبيت فيها أطفالها
أما سلوى وزوجها غادروا مع أولادهم بعدما اصتدمت غزال مع سلوى كالعادة فتضايقت الأخرى وأصرت على الرحيل

كادت تتحرك وتخرج من الغرفة ولكن دلفت غزال للغرفة وأغلقت الباب خلفها خفية وهي تهمس لها بصوت منخفض ضائق..

-شوفتي يارغدة سلطان..عشان أقولك بس ان سلوى دي حد مسلطها عليا

تثاءبت ناعسة وهي تغمغم بهدوء...
-حصل ايه تاني

تنهدت غزال بحنق وهي تشير للخارج هامسة...
-البيه مقموص مني اني كسفتها وقال ايه ان الي بعمله حركات عيال صغيرة
سلوى دي هي الي معكننة عليا حياتي وناقصلي تكة واطردها من حياتنا أصلا

ربتت رغدة على كتفها قائلة بإرهاق...
-سيبك منه ونامي ياغزال الساعة داخلة على اتنين بليل
مش وقت قمص ولا حوارات..نامي انتي بس وسيبك منه وابقوا اتكلموا الصبح

تحدثت غزال عابسة وهي تتخصر وتجز على أسنانها غيظا....

-ياسلام أنام ازاي وهو مديني ضهره..دا حط راسه على المخده ونام ولا كإنه نكد عليا
سلطان هيجلطني بجد

ضحكت رغدة وربتت على كتفها ساخرة وهي تنزل لصديقتها غزال الجاهلة بأمور الرجال..

-ياماشاء الله مبقتيش تعرفي تنامي وهو مديلك ضهره ياغزال
روحي ياحبيبتي نامي..لو مستنياه يقوم من نومه ويصالحك يبقا هتفضلي صاحية للصبح وانتي حاطة ايدك على خدك..روحي ياحبيبتي نامي الله يهديكي

تمتمت غزال بكلمات حانقة وهي تعود لغرفتة سلطان وخطواتها الغاضبة تظهر في مشيتها
فضحكت رغدة بخفوت وهي تهمس في نفسها وهي تتذكر حينما كانت لا تقوى على النوم سوى بين ذراعي حسن..

-ماكنا شباب بقا ..كنت هبلة زيها كدا في يوم من الأيام

كانت الكلمات في ظاهرها ساخرة..ولكن في باطنها مره كالعلقم
كم هو مؤلم شعور استرجاع ذكريات كانت جميلة يوما فنسخر منها بمرارة لا تناسب حلاوتها في الماضي
وهذا مايحدث معها يوميا كلما تذكرت لهما ذكرى بعيدة كانت جميلة يوما ما..وأصبحت كالغصة في حلقها الان

وأكثر مايؤلم أنه أمامها يوميا..يمارس حياته معها في ذات المنزل..يأكل وينام ويذهب لعمله ويضحك مع اطفاله  وقد عاد حسن الذي وقعت في حبه وهي فتاة مراهقة ..عاد حسن وعادت معه حياته القديمة  ويفعل كل ماكان يفعله في الماضي قبل تدمير علاقتهما..يفعل كل شيء إلا حبها
حياتهم الطبيعية عادت من جديد ولكن دونما حبهما الكبير
ذاك الحب الذي تزوجا لأجل تتويجه بالزواج والمنزل والأطفال..فبقى كل شيء وذهب الحب أدراج الرياح

زفرت وهي تطرد كل الأفكار من عقلها وتتجه نحو غرفته وهي تتسلح بقوتها أمامه
فبعد أشهر طويلة..طويلة جدا جدا ستنام معه في ذات الغرفة
ستنام معه على فراش واحد بعد مرور أكثر من سبعة أشهر أو ثمانية لا تذكر
ضحكت في نفسها بقهر وهي تقول لنفسها
غزال لا تستطيع النوم بعيدا عن ذراعي زوجها..أما هي نسيت كيف كانت تنام على ذات الفراش مع حسن
كم يبدو الأمر مثيرا للسخرية والشفقة !

وضعت كفها على مقبض الباب وفتحته لتطالع جسده النائم على الفراش..لقد قصدت أن تتأخر كثيرا كي تدلف الغرفة وهو نائم كي تستطيع النوم براحة دوا أن ترتبك أو تغضب

تحركت لداخل الغرفة وأغلقت الباب خلفها
وهي تحدق في جسده الشاب الذي عاد لقوته بفضل تمارينه الرياضية وأكله الصحي واقلاعة عن أي شيء ضار..عاد لحسن القديم بكل معنى للكلمة..ولكن شيء ما قد كسر ويجعلها عاجزة عن رؤيته كما الماضي
لا تستطيع النظر له على أنه فارسها المغوار..لا تستطيع نسيان لحظات فزعها وألمها
يا الله كيف تنسى كيف

ابتلعت غصتها وهي تتحرك نحو الجانب الأخر للفراش تجذب تلك الوسادة وتضعها أرضا كي تتمدد على الأرض الصلبة وقد حرمت على جسدها أن ينام على فراش واحد معه
كيف تنام معه وهي تراه رجلا غريبا حرمت عليه قلبها وجسدها وحتى عطرها
هو الذي كان يهوى تنفس رائحة خصلاتها الذي يفوح منه الياسمين وزيت الزيتون..وقد اقسمت بطهر حبهما ألا يستنشقه بعدما خانها وقت حبهما فقررت أن تحرمه من عطر خصلاتها

أقسمت أن تجوع يداه لجسدها الناعم الرقيق..لن تدعه يضمها وقد دنس ذراعاه بعناقه لامرأة أخرى
لن تدع ثغره يلوك ثغرها بعدما أدخل جوفه تلك السموم التي كادت تضر أطفالها
أقسمت ألا تريه جسدها الشاب الذي يحفظ كل شبرا فيه كراحة يده
أقسمت أن تحرم نفسها وتحرمه معا من مشاعرهما التي كانت عالمها الوردي فأفسده هو بغبار جحيمه
وبدلا من أن يكون فارسها صار غرابها الأسود الذي لوث هوائها

سقطت أولى دمعاتها وهي تغمض عيناها وتتمسك بطرف الوسادة وتسمع صوت أنفاسه
تقتفي ايقاع أنفاسه كما كانت في الماضي..لا لا ستجعل أناملها في أذاانها تمنع نفسها من سماع أنفاسه واسترجاع ماكان ماضيا بينهما

وقبل أن تهبط دمعة من غيوم عيناها شعرت بيدان ترفعانها عن الارض وتجذبانها للفراش
انتابتها هيستيريا جنونية كفرس لمستها بعوضة سامة فتحركت بعنف ترفض قيد يداها وهي تدفعه عنها
تحافظ على بروده جلدها كي لا يعود ويتألف مع دفئ كفاه..لن تجع جسدها مشتاقا له
ستقاوم وتقاوم إلى أن تعود الى الأرض بجسدها باردا بعيدا عن دفئ حبه الماضي

ولكنه كان أشد اصرارا وأشد قوة
فاحتواها بين يداه يثبتها في الفراش قائلا بنبرة بدت يائسة حادة...

-مش هلمسك يارغدة لو نمتي جنبي..عمرك ماقدرتي تنامي على الارض او تقعدي عليها من قسوتها
بقت هي أهون واحب ليكي من انك تنامي جنبي على سرير واحد يارغدة..للدرجة دي الي بينا ضاع
للدرجة دي مبقتيش طايقاني

لا تدري لما ضربها البكاء الخافت وهي تتصنم أسفل يداه اللتان تقيدانها
فسمعت صوته اليائس المتهدل كطفل خذل من خذلانه لوالدته يقول..

-مش طيقاني يارغدة..مش طايقة حسن حبيبك

علت شهقاتها وانتفخ وجهها باكية وقد توهج بحمرة الحزن والقهر وهي تقول من بين أنفاسها..

-لا انت حسن ولا انت حبيبي..انت شخص معرفوش غريب عني..ارجوك سيبني وعدي الليلة دي على خير
متفتحش في جروح هتئذيك

رفع كفها لوجهه قائلا بصوت حزين كئيب وهو يمرر كفها على وجهه..

-لا يارغدة أنا حسن..حسن حبيبك الي عمره ماكان غريب عنك من أول يوم اتقابلنا
كل حاجه فيا رجعت حسن القديم يارغدة..لو كلامك هيئذيني إإذيني يارغدة أنا مسامحك
اعملي اي حاجه ترجعك ليا زي ماانا رجعت

تصنمت أناملها على وجهه بلا حياة ودموعها تهبط كأمطار من غيم عيناها قائلة بنبرة كمن تكلم على شيء فاني..

-لو لونك رجعلك ووزنك رجعلك وصحتك رجعتلك وشغلك رجعلك وحتى عقلك رجعلك..أنا مش هرجع ياحسن
ايدك الي اترفعت عليا تضربني مش هتكون نفس الايد الي تطبطب عليا..وجسمك الي خنتني بيه مع واحدة مش هيتحط على جسمي..قلبك الي هونت عليه انا وعيالك مبقاش يهمني
لو كل الي حواليك اتصرفوا كإن ولا حاجه حصلت أنا مش هنسى ياحسن

أنا حطيت حياتي بين ايديك..عرفتك نقط ضعفي..قولتلك اني شبعت ضرب من اعمامي واني مش هستحمل اخد قلم منك..اديتني أقلام
قولتلك اني بخاف من الكدب والخيانة..قولتلك اني مبسامحش بسهولة
قولتلك اني ابتلائي في عقلي الي مبيرحمنيش لو حد أذاني..مابالك انت الي اذتني
مش هسامحك ياحسن عن خوفي منك في الغربة..مش هسامحك انك عيشتني الالم دا كله
نار الدنيا بحالها أهون عليا وأكرملي من جنة ايديك

كانت محقة
كلماتها تؤذيه بشدة تؤذيه لدرجة أن صلابنه تزعزعت وكاد يتراجع عنها لتذهب
ولكن هل سيتركها مره أخرى كجندي خاسر في معركة حبه
سيهرب من كلماتها مره أخرى كالملدوغ؟؟
سيتألم من زجاجها المكسور الذي كان سببا في كسره حينما كانت بلورة شفافة دافئة؟؟
لا لن يفعلها سيكون ملعونا لم ابتعد يلعق جراجه بعيدا عنها
سيكون ملعونا إن استسلم لأخطاء الماضي وتركها يؤرق حياتهما

تمسك بكفها راجيا وهو يتلمس شعرها الذي تحركت سريعا كي لا يتلمسه كي تفي بقسمها
ولكن فشلت وسقطت أولى وعودها حينما مسح خصلاتها هامسا...

-أنا أسف أقسم بالله ندمان يارغدة..ندمان اني مشيت في الطريق دا
أنا عمري ماكنت كدا يارغدة أنا مكنتش بشرب سجاير حتى..الي حصل كان غلطة بسبب الناس الي اتعرفت عليهم هناك..مش هبرأ نفسي لكن أنا لو رجع بيا الزمن مكنتش همشي الطريق دا
والست دي انا معملتش معاها حاجه يارغدة الي بينا متعداش حجات بسيطة جدا

كلماته جعلتها تحاول التحرك من بين يداه بعنف واعترافاته تجرحها أكثر وأكثر فسارع يقول بصدق متألم
ونبرته تحكي مدى بؤسه وعذابه..

-انا مزنيتش يارغدة..ملمستش ست غيرك كنتي أول ست وأخر ست
ايدي الي اترفعت عليكي أنا هاين عليا اقطعها اني مديتها عليكي..بالعكس أنا كل مااشوف أخويا بموت في الدقيقة ألف مره كل ماافتكرك وانتي بستخبي مني وراه..بموت يارغدة وقلبي بيوجعني بجد كل ماافتكر

أنا اتعذبت في غلطي واتعذبت وانا بتعالج منه واتعذبت بعد ما طلعت وبتعذب كل يوم وأنا بشوف في عيون المقربين مني اني كنت مدمن..بتعذب وبموت لما ببص في عينك يارغدة
مهما اعتذرت أنا مش هعوضك..ومهما اعتذرت مش هصلح غلطي
لكن معقول مستحقش فرصة تانية يارغدة

هبطت دمعاته المتحسرة فوق صدرها وهو يتمتم بصوت متحشرج مذنب يكاد يختنق من فرط ألمه يرجوها أن تعطيه حياته التي سلبتها منه بأفعاله..

لو محدش اداني فرصة تانية اثبت ندمي واني اتغيرت يبقا ايه لازمة وجودي بينكم
لو في كل نظرة هشوف الي عملته يبقا ليه اعيش معاكم يارغدة
الي حصل غلطة مني غلطة وحيدة اقسم بالله عمري ماتخيلت اني اعملها
انتي عارفاني يارغدة عارفاني أكتر من الكل..معقولة تحكمي عليا بالموت من غلطة

معقول مستحقش تديني فرصة تانية أعوضك عن الي شوفتيه..مستحقش اكون زوج وأب ؟؟
هتحكمي عليا أعيش غريب ومنبوذ في بيتك أكتر ما انا غريب ومنبوذ وسط عيلتي
اي الي هيخليكي تسامحيني طيب..اني أموت يارغدة..ساعتها قلبك هيبقا مسامح

رفعت كفها تمنعه من ان يكمل وهي تتحدث بعصبية رغم ضعف نبرتها وانهيارها..

-متحولنيش من مجني عليها لجانية ياحسن..متعكسش الأدوار
انت عايش طبيعي بين ولادك وعيلتك..ولو النظرات بتوجعك فا دا تمن غلطتك

ابعد كفها عن فمها وقال..
-بس غريب بالنسبالك يارغدة ومنبوذ بالنسبالك
انتي مش جاني ولا مجني عليكي..وانا غلطان عارف اني غلطان
بس طمعان في فرصة تانية..فرصة لو ضيعتها ساعتها مش هطلب منك مسامحة تاني
انتي قولتيلي انك لما حد بيجرحك مبتقدريش تسامحيه..بس انا حسن يارغدة
ميزيني المره دي بس وافتكريلي اي حاجه كانت بينا تستاهل انك تديني فرصة

كانت دموعهما تهبط بفيض من ألم
وجوههما مابين راجي ومجروح
الذكريات الجميلة تختلط بالسيئة وتشتتهما بطريقة جعلت رغدة تشهق باكية وهي تهمس بلا حيلة متألمة..

-لو اديتك فرصة هكره نفسي ياحسن..هكره نفسي اني هونت عليها
مش هقدر اسامح نفسي لو وجعتني تاني..مش هقدر ابص لنفسي في المراية لو اتجرحت منك تاني
أنا خايفة اديك فرصة ضياعها يضيعني أنا

اعتدل في الفراش وساعدها لتعتدل وجمع كفاها قرب صدره قائلا بلوعة..

-متحكميش عليا قبل ماتشوفي بنفسك..مش هكرر غلطي تاني يارغدة
مش هدمر حياتي وبيتي تاني..ومش هخليكي تحسي كدا ابدا
ادينينا فرصة تانية..انتي شوفتي بنفسك طول الشهور الي فاتت
شوفتي مني حاجه وحشة ؟؟

حركت رأسها نافية ولازالت منخرطة في بكائها المقهور..فحتوى وجهها قائلا بكل الوعود التي يملكها والتي لا يملكها...

-ومش هتشوفي مني الا كل خير انتي واولادنا..وحياة ولادنا وكل حاجه حلوة بينا تديني فرصة بجد أقدر اعوضكم بيها..اديني فرصة اثبتلك اني حسن حبيبك مش حسن الغريب عنك

لم تستطع اجابته بل مالت برأسها على كتفه تبكي ملئ الانهار الحزينة
تبكي بحرقة وكأن عيناها اختزنتا ملح بحور العالم في مقلتاها فما كان منه الا الألم
ولم تكن وحدها من تبكي بل حاوطها هو الاخر باكيا بخفوت سمحت له كرامته أن يبكيه
يبكي أخطائه التي عذبت أعز الناس لقلبه..يبكي لبكائها ولقلبيهما معا
يستنشق رائحة الياسمين وزيت الزيتون في شعرها كذكري قديمة عادت تتجدد في أنفه
ويداه يربتان على جسدها يدفئ برودته بأنامله الدافئة

وقد سقطت كل عهود رغدة..وان أوان عهود حسن من جديد

                                                          ***         
            
صوت بكاء صديقتها كان يؤلم قلبها وقد أنساها ضيقها من ذاك النائم جوارها فهمست بصوت خفيض

-كل دا كتماه في قلبك يارغدة..وأنا الي بشغلك بتفاهاتي..النهار يطلع بس واديكي على وشك حتة قلم على انك بتخبي عليا زعلك دا

تنهدت وهي تحاول سد أذناها كي لا تسمع بقية حوارهما الباكي الذي يقطع نياط قلبها كلما تذكرت أن صديقتها تعيش تلك المعانة بمفردها دون أن تشاركها بها يزيد حزنها من نفسها وعليها
ولكنها فشلت في التماسك  فانتفضت من الفراش هامسة..."

-لا ماانا مش هسيب صاحبتي كدا

ما إن همت التحرك من الفراش شعرت بقبضة قوية تتمسك برسغها قائلا بصوت أجش...

-صاحبتك مش عايزاكي دلوقتي سيبيها تصفي أمورها مع جوزها

شهقت بتفاجؤ وهي تلتفت له قائلة بدهشة..
-انت صاحي..صاحي من امتى

ترك رسغها وعاد لنومته قائلا بتنهيدة ناعسة..
-انا منمتش أصلا وياريت تنامي انتي كمان بقا وكفاية تقليب شمال ويمين عشان نومي خفيف
اتفضلي نامي

كشرت أنيابها ونظرت لظهره بحدة قائلة..

-ياسلام يعني كنت صاحي وأنا عمالة أكلمك وأهاتي واقولك تدير وتبصلي
كل دا وانت عامل نفسك نايم عشان الست هانم سلوى !

-مش عامل نفسي نامي مكنتش برد عليكي ولا عايز أرد عليكي
نامي بقا اغزال والصباح رباح على عمايلك السودا دي

نفخت صدرها بتمرد وهي تربت على كتفه ببعض الحدة وتندفع تقول غاضبة منه بسبب ضيقه على سلوى..

-ياسلام عمايلي بقت سودا عشان كبست العقربة سلوى..انما عمايلها هي كادت عادي وهي عماله تكيدني وتجيب سيرة يسر والبت الي كنت خاطبها زمان وقريبتكو الي كنت بتحبها وتقولي ان كلهم كانوا يليقوا عليك وانا العيلة الصغيرة الطايشة الي هخلي حياتك سودا..اه ماسلوى دي عملالك عمل و...

قاطعتها صرخة حادة منه وهي يستدير بجسده لها ينظر لها نظرات نارية ارعبتها...

-شررروق لمي نفسك ونامي وبطلي زن أنا مش طايق نفسي خلقه
نامي أحسنلك أنا مش عايز اتعصب عليكي..ولسانك الطويل دا قصريه

صيحته الحادة الزاجرة جعلتها تصمت تماما بل وتنتفض بفزع ترجع بجسدها بعيدا عنه ظنا منه أنا سيضربها
كما زجرها عبيدة وصفعها لتسقط أرضا في الماضي
والاثنان استعملا اسمها الأصلي قبلما يزجرانها ويضربها عبيده..

فخوفها من ان يضربها سلطان هو الأخر جعلها تنبطح سريعا تضع رأسها على الوسادة وقد ابتعدت تماما عن جسده وهي تحدق أمامها تحاول ألا تفلت شهقة باكية من فمها فيثور عليها وتنفلت أعصابه

فوضعت كفاها على فمها بقوة كي لا تبكي بصوت يجذبه
وبدأت عيناها تسقط دموعها الحارة المصدومة من صراخه عليها توا
سلطان صرخ في وجهها توا لأجل سلوى
سلطان صرخ في وجهها وقد بدى لا يطيق النظر لها حتى !

وقبلها كان يتجاهلها لمدة ساعة كاملة وهي التي ظنته نائما
والان يزجرها بكل ذاك العنف ويخيفها لهذه الدرجة ؟؟
مضى الوقت وهدأت أصوات حسن ورغدة وانتظمت أنفاس سلطان وهي لازالت تكمم فمها ودموعها تهبط بغزارة من عيناها الحمراوتان المصدومتان من هول غضبه
وعقلها يسأل..أهذا هو غضب سلطان ياويلتها لو كان هو !

انسحبت من الفراش على أطراف أصابعها وخرجت من الغرفة متجهة نحو مفاتيح شقتها وفتحت الباب بحرص وأغلقته خلفها وصعدت السلم وهي لازالت تكتم شهقاتها بكفها إلى أن وصلت شقتها واتجهت إلى غرفتها ترتمي على فراشها باكية وقد تركت العنان لشهقاتها المحبوسة أن تخرج من حلقها وتعبر عن مدى غضبها وصدمتها من سلطان الذي لم تعتاد منه سوى على الرفق والدلال
والان يصرخ في وجهها ويفزعها بهذا الشكل

ظلت تبكي وتبكي إلى أن جاء سلطان " القط" وبدء يمسح رأسه في كتفها يواسيها برقة تناسب كائن ضعيفٍ مثله
أما هي فكان تضع وجهها في وسادتها وتبكي
غافلة عن وصول الصوت للغرفة الي أسفل غرفتها تمامًا
ومايساعد على وصول الصوت تلك النافذة الواسعة التي تعلو نافذة غرفة سلطان في الأسفل

فكان مُمدد على فراشه يسمع شهقاتها الباكية وهو يضع مرفقه على عيناه ويتنهد بثقل..لقد زجرها بطريقة قاسية لم تعهدها منه من قبل، ولن ينفع مواساته لها الان
فعليها أن تُدرك خطأها في احراج سلوى بتلك الطريقة حينما أنقصت من جمالها أمام زوجها هاني وشبهتها بأحدى شخصيات أفلام اسماعيل ياسين
وهذا ماجرح سلوى رغم صلافتها وجعلها تنتفض راحله وقد تملك منها الحرج والغضب

وهو أكثر من يعلم بتلك الغصة التي تستحكم حلق سلوى لأنها الأقل جمالا في العائلة..تلك العُقدة النفسية التي لازمتها رغم محاولات يُسر في علاجها ...فما كان لغزال أن تحرجها بتلك الطريقة القاسية أمام الجميع

تنهد وهو يتذكر فزعها من وانتفاضتها مبتعدة عنه خشية أن يضربها..وشهقاتها التي كانت تكتمها بيداها
تؤنب ضميرة ببكائها وهي المخطئة...تجعله يشعر بالثقل كلما التفت ورأى مكان دموعها على الوسادة
كطفلة اخطأت وبكت وانتظرت المواساة منه
أما الان فهو يقاوم نفسه ألا يصعد ويراضيها كي لا تبكي قبل نومها..ولكن عناده ونزعته الرجوليه جعلته يتحكم في مشاعره ويتصرف ككقائد حازم يعاقب الجُندي دون أن يتأثر من ردة فعل الأخر

غافلا لوهلة أنه الان ليس سلطان القائد والضابط في الجيش المصري..انما هو زوجها وملجأها الوحيد
وغزال ليست جُندي تابع له ليعاقبه بتلك القوة والحزم
بل هي غزالته البرية الصغيرة التي تمثل له الزوجة والابنة في الان ذاته..قلبها أرق من أن يتركه ذابلا لليلة..ورغم ذالك تركه ؟؟
يتبع.
............

لاف للحلقة وكومنت برأيك وريڤيو على البيدج
ومنشن لاصحابكم الي بيحبوا رواياتي عشان عيلتنا تكبر
سلااام❤️❤️❤️❤️❤️

#وسام_أسامة
#رد_قلبي


الاسمبريد إلكترونيرسالة