الفصل الثاني
"زهور ممزقة"
تشعر وكأنها زهرة مُزقت أوراقها وماعاد فيها حياة..او دمية مهترئة لعب بها ألف صبي ثم كان مصيرها الأخير سلة مهملات..ألف تشبيه وتشبيه ينطبق عليها
السكون حولها جعلها تحدق في الفراغ مطولاً
كان المنزل مظلم عدا غرفتها فهي اصبحت تخشي الظلام رغم صداقتهما في السابق ولكن الأن..تحب النور تكره الوحدة..قلبها يلتهف للأمل
عند هذه النقطة توقف عقلها عن التفكير تلتهف للأمل ام لعمار!
فالأمل مقترن بعمار بالنسبة لها
ذاك الأسمر الذي جعل منها انسانة مكشوفة الندوب أمامه
قامت من فراشها وخرجت من الغرفة وهي توزع عيناها في منزله..تري الألوان الهادئة لون الابيض الممزوج بالون البيج واللوحات الفنية والتماثيل الرومانية التي تقف في الزوايا
ظلت تتفحص المنزل بعناية الى أن توقفت أمام غرفة مغلقة اشارت لها مريم أمس أنها غرفة عمار ..امسكت مقبض الباب ودلفت الى الغرفة ببطئ
صدمتها ظُلمتها لتعود خطوة للخلف بتردد ولكن فضولها اقوى من خوفها الآن.
دلفت مره اخرى وتحسست موضع زر الإنارة لتضغط عليه
عمَ ضوء قوي جعلها تغمض عيناها في البداية
فتحت عيناها ببطئ لترى غرفة ممزوجة بلوني الأبيض والرمادي..انيقة تشبهه
خطت قدماها داخل الحجرة وهي تتفحصها بتأني حتى وقفت أمام المرآه الطويلة في احد الزوايا ليقع نظرها على زجاجة عطره موضوعه على رف خشبي
لمستها بأناملها بخفة قبل أن تهمس بشرود..
-هيجي يوم ويكون ذكرى وبس !
-شيفاني هبقى ذكرى كويسة
وصلها الصوت الذكوري بوضوح شديد
انتفضت بفزع و شحب وجهها..لتجدالإرتعاش اخذ جسدها في جوله..خارت قواها ليقع العطر من يدها
لا تعلم ماسبب ذاك الإرتباك الذي داهمها فجأة
التفتت له ببطئ وعيناها متوسعة لتهمس بصوت مرتجف..
-عمار
ردة فعلها الغريبة جعلته يعقد حاجبيه بقلق وهو يقترب منها ليقول وعيناه تطوف على شحوبها الواضح...
-مالك ياشهد فيكي حاجه
ظلت تحدق به وهي ساكنة..عدا انفاسها التي كانت مسموعة بوضوح وعيناها الدامعة كما المعتاد
اقترب منها اكثر وامسك يدها..ليجد يدها كاقطعة ثلج
سحبت كفها سريعًا واجفلته..ولكن لم يتحدث أو يلومها
بل نظر لها بإشتياق وهو يتأمل وجهها الناعس كأنه يحفر تلك الصورة في عقله وقلبه للأبد...
-عامله اية دلوقتي ياشهد
حركت رأسها بخفوت وهمست..
-بخير
تطلع الي ملابسها ليجدها ترتدي منامه قطنية سوداء وخصلاتها البنية استطالت لأسفل عنقها بقليل
ولكن رغم شحوبها فاتنة..كتلة من الأنوثة والضعف
ليبتلع ريقه وترتفع تفاحة ادم وتهبط مع حركته قائلاً برتباك لاحظته...
-ايه الي مصحيكِ لدلوقتي !
نظراته لها جعلت الرعب يدب اوصالها من جديد..رغم ثقتها فيه ولكن خوفها اكبر بكثير
شعر بخوفها منه وتنهد بثقل ثم قطع تمتها الغير مفهومة....
-روحي نامي ياشهد.. وأنا كمان هرتاح عشان تعبان من السفر
حركت رأسها بإيجاب وخرجت في لمح البصر ليتنهد بتعب..ثم رمي جسده على فراشه بعد ارهاق أيام
وقد عاد توه بعقل مشتت وقلب مُثقل لا يجد الصواب
مضت ساعات الليل ثقيلة على الجميع
وغلفتهم الكآبة الصامتة..
استيقظت شهد في وقت الظهيرة
نظرت حولها قليلاً حتي زال النعاس من عيناها، وتذكرت عودة عمار المفاجأة
قررت الرحيل اليوم لترجع الى قوقعتها الآمنة
التي شهدت ضعفها ولحظات بكاؤها وحزنها..وفي الأحيان قوتها ايضًا
تنهدت بقوة وهي تحاوط وجهها لتفكر مطولاً في حياتها تقرر انها ستبدأ حياة جديدة بعيدة كل البُعد عن الجميع
علها تجد راحتها وتمضي بسلام
دلفت الي الحمام الملحق بالغرفة
اخذت حمام دافئ.. وارتدت بنطال جينز من اللون الأزرق وقميص من اللون الأسود يصل لخصرها وانتعلت حذائه
تُلملم ثيابها في الحقيبة الصغيرة التي جائت بها مع مريم من ايام قلائل
جلست أمام المرآه وبدأت تمشط خصلاتها القصيرة
وشردت في أحداث حياتها الصاخبة التي لا تتوقف
مجيئها للإسكندرية.. عملها في شركة الصياد و رؤية عمار...حادث الدراجة...محاوله اغتصابها
كانت الذكريات كالأجراس في اذنيها تكاد تصمها
وضعت يدها على أذناها واغمضت عيناها في محاولة للهروب من كل تلك الآلام دموع باردة اخذت مجراها على وجنتيها و ظلت تنتحب تحاول الصراخ
تحاول الهروب من كل تلك الذكريات المشينة التي سحبت روحها منها
دخلت مريم غرفة شهد لتجدها تبكي مغمضة عيناها بألم وتضع يدها على اذنيها..اسرعت مريم لها قائلة بفزع..
-شهد مالك في ايه
ظلت شهد تنتحب بقوة..شعور الظلم والقهر يجتاحها
قلبها المحطم وجسدها المنتهك يريدان أن يصرخا عاليًا طالبين الرحمة..تطلب المستحيل !
صرخت مريم بصوت مرتفع..
-عماااار تعالى بسرعو.. الحق شهد
في ثوانٍ جاء عمار والخوف على محياه
لينفطر قلبه عند رؤية شهد تبكي بذاك الألم..وكأنها فقدت عزيزها للتو..اقترب عمار منها قائلاً بلهفة..
-شهد مالك ياشهد... في ايه يامريم حصل ايه
هزت مريم رأسها بعدم معرفة
امسك عمار يدها وانزلها من علي اذنيها
قائلاً بصوت دافئ ملهوف...
-اهدي وكل حاجه هتبقا تمام..متقلقيش ياشهد
انا جنبك دايمًا
رغم شعور الإطمئنان الذي ملئ قلبها
ولكن تريد أن تبكي لتفرغ تلك الطاقه السلبيةالتي سكنت قلبها من سنواتٍ عجاف
فتحت عيناها الحمراء من أثر البكاء لتقول بصوتٍ متهدجٍ مبحوح..
-عايزة اروح بيتي ياعمار
نظرت له مريم بإيجاب بمعنى وجوب عودتها الى منزلها
ليتنهد عمار بقلب مهموم ويقول بهدوء وهو يمسح دموعها المنهمرة...
-طيب اغسلي وشك ويالا هروحك البيت
خرج عمار وتبعته مريم قائلة بصوت منخفض نسبيًا..
-قرارها صح ياعمار وجودها هنا غلط
أجابها عمار بضيق..
-عارف يامريم عارف
صمتت مريم وهي تعلم مدي الصراع الذي يدور في عقل اخيها الذي اصبح أكثر جدية، وأكثر حزن
لتقول له بصوتٍ هادئ..
-سيبها ياعمار... بلاش تتجوزها
فتح عمار عينيه بقوة ليتلفت لها سريعًا..
-انتِ بتقولي ايه يامريم..ايه الكلام دا
نظرت له مطولاً وهي تمسك يده متجهة الى الشرفة ووقفت امامه وكتفت يدها لتقول بحزم...
-عمار انت بقيت حزين..مهموم مش هتعرف تعيش معاها كل يوم وكل دقيقة هتلمس ايديها فيها هتفتكر الي حصلها
مش هتستحمل ياعمار دا فوق احتمالك
نزع يده منها بغضب وشد على أسنانه ليقول..
-ودا مكانش كلامك قبل كدا يامريم
-ياعمار أنا حبيت شهد جدًا بس بحبك اكتر، بص وشك من ساعة ماعرفتها ايوه اتغيرت للأحسن بس بقيت حزين ومهموم.. مبتبتسمش حتى، وفي الأخر انت وهي هتتعبوا مع بعض مش هتقدروا تكملوا صدقني
فـ بلاش تزيدها وجع علي وجعها ياعمار
ابعد عنها وانت عملت الي عليك وسجنت جوز عمتها وكمان زميلها الي حاول يعتدي عليها،كدا عملت الي عليك وزيادة..غير كدا مش هتقدر تقدملها حاجه تاني
كلماتها سمرته جعلته يقف أمامها لا يقوى على الرد
حديثها صائب ولكن قلبه يرفض التخلي..ونفسه أصعب من أن تحاول..نظر لها بعجز شديد رغم غضبه
ثم استدار ليذهب من أمامها كي لا يسمع المزيد...ولكنه وجدها امامه..رأها كما كانت سابقًا..شهد القديمة صاحبة الوجه الجامد الخالي من التعابير
حاول ان يتحدث ومريم تنظر لها بذنب
ولكنه اخاها الحبيب..لن تشجعه على قرار سيندم عليه مستقبلاً..لن تترك له المساحة كي يظلم نفسه ويظلم شهد
تحدثت شهد بثبات رغم الدموع الملتمعة بمقلتيها...
-انتِ عندك حق يامريم..عمار كان شهم جدًا معايا
اظن شهامته مش لازم تكمل لمرحلة انه يتجوزني
شكرًا على وقوفكم جنبي
ثم غادرت المنزل بهدوء مريب وهي تمسك حقيبتها
ركض عمار خلفها ولكن يد مريم منعته..
-كدا احسن ياعمار سيبها تكمل حياتها بعيد
شد يده منها بحدة ونظر لها بشراسة..
-قسمًا بالله يامريم ولو قولتي الكلام دا تاني هخسرك
ثم غادر محاولًا اللحاق بشهد التي اختفت بلمح البصر
بينما نزلت دموع مريم حزنًا على حال اخيها..
بينما عمار يقف امام مدخل البناية ينظر حوله بغضب وقد فشل في اللحاق بها.. لم يراها وكأن الأرض انشقت وابتلعتها فورًا..وغابت شهد نهائيًا
***
يراها امامه الأن تبكي وتهتف بإسمه وهو بلا حول ولا قوة
يقف هو عاجز مكتف اليدين لا يستطيع أن يعانقها ويهمس لها ويطمئنها..كانت بعيدة تمامًا في هلاوسه
لا يشعر بأي ألم ولكن وخز في قلبه
يجعله يتألم ومما زاد الأمر سوء يشعر بجسده ينتفض في الهواء ثم يصتدم بالأرض..ليست مره واحدة..بل مرات عديدة..يرتفع في الهواء ثم يصتدم ارضًا الى أن شهق بألم
مره اخرى يشعر بجسده ينتفض ولكن لم يعد يريد الحياة
هو لم يريد العيش ابدًا كان يموت كل دقيقة من ذكرياته وينتظر الموت كزائر نبيل
والآن الموت على بُعد خطوات بسيطة..بضع خطوات فقط ويتخلص من كل الذكريات والألم وحتى ذنوبه وخطاياه
لا وجود لأي شخص او طفوله تذكره بماضيه او جسد معذب وروح دميمة ذاقت من الالم مايكفي لسنوات... يريد ذاك الهدوء الموحش..يريد الرحيل
يود الدخول في تلك القوقعة السوداء البعيدة كل البعد عن الواقع ولكن شئ تمناه فؤاده الذي قارب علي فقدان الحياة..يريد تلك الثمرة التي هبطت له من الجنة
تلك التي اخذت من البندق لونًا لعيناها.. يريدها معه داخل ظلامه الهادئ ذاك يريدها معه حتي في الموت...
لاح وجهها بين غياهب عقله ليري تلك الحورية تضحك وتنظر له بنظراتها الرزينة..ليبتسم بوهن ويغمض عينيه متأهبًا للرحيل الذي إشتاقه بشدة
وضحكات تقى تصاحبه..وصوتها وهي تهتف بإسمه وكأن اسمه خُلق لها لتنطقه هي خصيصًا..ولكن انقشعت صورتها
ليشعر بنفس الإصتدام مره اخرى..ومره تلو اخرى الى أن استكان وعم الهدوء ونبضات قلب رتيبة
تنهد الطبيب بإرتياح وهو يضع جهاز الكهرباء جانبًا..
-آخر لحظة وكان هيموت..الحمدلله
ثم نظر لمساعده..
-جهز العمليات كمان ساعتين وتابع حالته أول بأول
بينما على الجانب الآخر في نفس المشفى ..فتحت عيناها بتعب شديد،تشعر ان روحها سلبت منها لتهمس بضعف..
-ادم
اقتربت رحمة منها سريعًا وامسكت يدها..
-حمدلله على سلامتك ياحبيبتي
همست تقي بوهن وهي تفتح عيناها بصعوبة..
-ادم فين
ارتبكت رحمه واجابت بتقطع..
-اا مش هتشوفي سيدرا اجبهالك من الحضانة تشوفيها
ابتسامة صغير شقت ثغرها الجاف لتغمغم..
-سيدرا
حركت رحمة رأسها بإيجاب وطمست شعور الشفقة عنها لتسمع تقى تقول بثقل..
-ادم معاها
وهربت الكلمات من فمها لتنظر لها بدموع صامتة
ثم حركت رأسها بنفي وهبطت دموعها رغمًا عنها
نظرت لها تقى بخوف وهي تحاول ان تعتدل ولكن تقهقرت وهي تتأوه بألم
اسرعت رحمة وساعدتها وهي تؤنبها..
-متتحركيش عشان متتألميش
-سيدرا فيها حاجه يادادة
اجابت على سؤالها المرتجف سريعًا..
-والله ابدًا دي زي الفل الله اكبر
-امال في ايه... وفين ادم
اشاحت رحمة وجهها عنها لتقول بخفوت..
ادم عمل حادثة امبارح وتعبان شويه مش هيقدر يشوفك دلوقتي
شحب وجهها وهي تكرر..
-ادم عمل حادثة !
نظرت لها بصدمة وبدء وعيها يعود اليها بالكامل وحركت رأسها بنفي ونظرت حولها بتشتت وحاولت القيام ولكن يد رحمة منعتها
لتقول بصوت مرتعش وهي تحاول السيطرة على ألمها...
-انا شوفته بيموت يادادة انا عايزه اروحله
سيبيني خليني اروحله بسرعة..والله قلبي كان حاسس
امسكتها رحمة وهي تبكي مشفقة عليها...
-ياحبيبتي اهدي هيكون كويس اهدي يابنتي
كانت كلماتها تطير بالهواء..كانت الأخرى تقاوم رغم المها وتشتتها..تعلم أن رحمة تكذب..ليست حادثة بسيطة
لو كانت بسيطة ستستيقظ وتراه جوارها ولكن الآن هي مُدركة انه ليس بخير ابدًا ودموع رحمة خير دليل
قاومتها وهي تقف لتصرخ بقوة وبطنها تكاد تقتلها من شدة الألم..ليختلط صراخها ببكائها..
-انا عايزة ادم ياامي..سبيني اروحله
زاد نحيب رحمة وهي تسمعها تصرخ لها بكلمة أمي وتنتحب وهي تتحامل على ألمها..حاوطتها رحمة سريعًا واجبرتها على الجلوس..وتقى لا تنفك عن المقاومة والبكاء
وقد انتابتها حالة هيسترية
ضغطت رحمة زر استدعاء الممرضة لتحضر في غضون دقيقة وتساعدها في تهدئتها.. لتشهق تقى ببكاء حاد ووجه متعب وهي تحاول دفعهم بيعد عنها..
-سيبوني جوزي هيموت بقولكم سيبوني
وحقنتها الممرضة بمهدئ رغم مقاومتها لتسمع رحمة تقول بحنان اختلط ببكائها..
-هيقوم بسلامه ياحبيبتي متقلقيش..ادعيله بس ياتقى
مش محتاج دلوقتي غير دعواتنا
تقي ببكاء وهي تصارع حالة الخمول التي انتابتها..
-ادم هـروحله
لم تستطع رحمة كبح دموعها لتنهمر بشفقة على من كبر امام عيناها وكان بمثابة إبن..وعلي تلك التي رأتها واحبتها كأبنة لها
***
حزمت امتعتها للرحيل
لا تصدق أن المنزل الذي عاشت فيه طفولتها ومراهقتها ستتركه.. بل المحافظه بأكملها، الجيران والأصحاب..شقيقتها... ستتركهم جميعـًا
وتذهب لبلده لا تعرف عنها سوا انها مسقط رأس والديها
صدمت بدايةً ولكن بعد قليل لم تبالي..اصبحت لا تهتم بأي شيء..خاوية الأمال والمشاعر
تنظر في الفراغ بشرود فقط
قطع شرودها دخول والدها الغرفة وهو ينظر لها بحنان وحزن، اقترب منها وامسك حقيبتها الكبيرة واخذها منها ليقول مواسيًا برفق...
-مسيرك هتتعودي علي بيتنا في الصعيد يابتي
-مش فارقة هنا زي هناك
هبطت سماح وعائلتها من المنزل بعد توديع الجيران ...توقفت امام السيارة لترى شاب فارع الطول عريض المنكبين..ملامحه الخشنة دليل واضح على انه قريبهم "علي" كما سمعت والدها
افاقها من تحديقها فيه صوت والدتها فاطمة..
-اهلا يابني عامل ايه
حرك رأسه وهو يلقي لها تحية هادئة وكذالك لسماح التي ردت على تحيته بخفوت
جاء محمد من خلفهم قائلاً بصوت مهموم..
-يالا ياعلي احنا جاهزين
تحدثت هدير بدموع فشلت في كتمها..
-خلاص هتمشوا يابابا مستعجلين اوي كدا
عانقتها سماح قائلة بإبتسامة صغيرة..
-هنجيلك يابت بلاش عياط ونكد
ثم ابتعدت لتعانقها والدتها وهي ترشدها ان تهتم بمنزلها وزوجها وان تصبح مطيعة له وتكف عن مشاكسته
ليتدخل والدهم سريعًا بجدية...
-لو حصل اي حاجه يابتي اتصلي بيا
هنجيلك لحد عندك لو كنت في اخر بلاد الله...
خلي بالك من نفسك وبيتك ياهدير
-حاضر يابا ابقوا كلموني لما توصلوا
كان علي يتابع تلك اللحظة العائلية بوجه خالي من التعابير ولكن ما لفت انظاره نظرات تلك الشاردة.. مغيبة عن مايدور حولها .....في عالم اخر
افاقه من شروده صوت محمد بأنهم مستعدين للرحيل
ركب افراد العائلة السيارة..واخذ علي مقعد جوار السائق وذهبوا متجهين الي تلك البلد الذي هربو منها منذ سنوات طويله... ولآن ذاهبون لها بأنفسهم تاركين عروس البحر متجهين الي...الصعيد
***
سار الى غرفتها بعرجٍ واضح وابتسامة سعيدة على فمه
سيراها أخيرًا ويتأملها مليًا دون أن يخاف أدم الصياد
فهل سيخاف من ميت !
فتح الباب واتجه الى فراشها ببطئ وهو يسحب قدمه المصابة وعيناه متعلقة بها..تلك النائمة بتعب وشحوب وجهها يحكي ماعانته بعد ولادتها الصعبة
كلما فكر أن "ادم" أخذها وانجبت منه تغلي دمائه بغضب
غضب منه ومنها..استسلمت له بسهولة تحت راية الحب
مد أنامله يتحسس وجهها المتعب بأنامل خشنة
يلتمس نعومتها لأول مره بشغف بل هوس
يود لو تفتح عيناها وتنظر له برجاء..كتلك النظرة ال رمتها له حينما باعها الحقير عمها
اااه لو تدري ماذا فعلت به نظرتها تلك..اه لو تدري اي عذاب سقط فيه وهو يتمنى انقاذها من براثنه
وحينما هاتفها حادثته بحدة اغضبته أكثر
ولكنه يعذرها، ربما كانت تحت تهديد !
ربما كان ادم جالس جوارها وتخشى غضبه وجنونه
طالت نظراته في وجهها ليقول بصوتٍ مثقلٍ بالعاطفة..
-أنا أسف..هفضل طول عمري أندم اني ماخلصتكيش اليوم دا بس دلوقتي قدرت اخلصك منه، دلوقتي بس حسيت اني كفرت عن غلطي..أنا اتأكدت إن امجد مش هيطلع من السجن قبل خمستاشر عشرين سنة، وادم كمان خلاص أيام وتسمعي انه مات..كل الي أذاكِ اخد جزائه
رمشت بعيناها تفتحها ببطئ..لا ترى إلا ضباب فقط
وخيال رجل يتحسس وجنتها برفق..اغمضت عيناها ولازال المخدر يؤثر عليها لتهمس..
-أدم
تجعد وجه عز واختفت المشاعر من عيناه..هل تمتمت بإسمه الآن..هل قالت أدم !
اشتد كفه على وجنتها لتتأوه بألم ولازلت مخدرة
ظلت أصابعه تجعد جلد وجنتها لينخفض عليها بغضب صارخًا..
-لسه بتقولي اسمه لســـه بتنطقي اسمه ليه
كاد يتصرف بجنون لولا الباب الذي فتح على حين غره ليبتعد سريعًا ويحدق في الزائر..ليجدها إمرأة عجوز تنظر له بدهشة واستنكار ليتحدث مرتبكًا..
-أنا جيت اوضة غلط بحسبها مراتي
ثم خرج سريعًا دون أن ينظر خلفه وهو يتنفس بتوتر
الى الآن لم يتأكد من موت أدم..وجوده معها أمام اي شخص يعتبر خطر جسيم عليهما
لذا يجب أن يفكر كيف يخرجها من المشفى ويهرب بها سريعًا
***