رواية رد قلبي الجزء الثاني
الفصل الثالت والستون
...................................................
الخذلان المستمر.. يعلمنا الشك حتى في أنفسنا
***
انهت اختبارها وسلمت ورقة الاجابة.. وخرجت سريعًا تنظر لأوراقها تبحث عن الأسئله والأجوبة لتتأكد من اجاباتها وهي تتنهد برتياحٍ عظيم
فـ لأول مره تخرج من اختبار في متأكدة من حل جميع أسئلته بسهولة وتفوق.. فرغم الأرق والسهر والكثير من الارهاق من مذاكرتها إلا أن التعب قد أتى بثماره واجتازت أول اختبار بسلام
حالما خرجت من مبنى الجامعة وهي تخرج هاتفها من حقيبتها وتجري اتصال بـ عبدالرحمن تخبره بإنتهائها
وجدته واقف أمامها يستند لسيارته وينظر لها تلك النظرة التي تبعث الراحة في قلبها.. ابتسمت وهي تقترب منه مبتسمة وتقول...
-غريبة.. مش مفروض انك مراقب لجان.. طالع قبلي ازاي
أشار لساعة معصمها بوجهٍ هادئ وعلى ثغره ابتسامة صغيرة..
-بصي في ساعتك كدا!
رفعت معصمها تنظر للساعة للحظات قبل أن تصيح مندهشة...
-ايه دا اللجان خلصت من ساعة الا ربع.. معقولة كل دا براجع على الي حليته.. اسكت ياعبدالرحمن.. الامتحان كان سهل أوي بس كتير.. أنا فضلت أظلل لحد ماعيني زغللت.. وكمان السؤالين المقالي اخدوا مني وقت كبير
بس المهم ان كل الي ذاكرناه هو الي جه.. أنا لو فضلت على المستوى دا هجيب امتياز كل ترم..عايزة أروح امسك المادة الجاية اذاكرها كويس اوي
ابتعد عن السيارة يفتح لها الباب الأمامي كي تصعد
وانتظرها تدخل السيارة وهي تثرثر بلا توقف
ثم دار حول السيارة يصعد هو الأخر وقبل أن يشغل السيارة نظر لها برفق وهو يربت على رأسها...
-شاطرة ياسارة.. انتٍ كدا عملتي الي عليكي في اول امتحان.. مفروض ترتاحي بقا انهاردة ومتفكريش في اي حاجه
اتسعت ابتسامتها وهي تحرك رأسها بإيجاب ثم مدت يدها تضع حزام الأمان وهي تقول بحماس فاجأه...
-طب بمناسبة اني حليت كويس، ماتيجي نمشي بالعربية على الكورنيش شويه
جذب حزام الأمان يعقده هو الأخر وهو يغمغم باسمًا..
-يلا بينا.. بس مش هنمشي بالعربية.. هنقعد على الشط نفسه.. نجيب ساندوتشات وعصير ونحتفل بانتهاء اول امتحان على خير
حركت رأسها بإيجاب ورفعت كفاها تصفق باستحسان...
-يلا بيـــــنا
انطلقوا إلى وجهتهم وسارة تثرثر بلا توقف عن الأسئلة التي جائتهم في الاختبار..وما تتوقع أن يأتي في الاختبار التالي.. والمواد التي تستطع اجتيازها بسهولة.. وأخرى تراها صعبة تتطلب المزيد من الجهد
إلى أن تحدث عبد الرحمن يقاطعها مازحًا...
-في حياتي مكنتش اتخيلك تكوني كدا ياسارة..حاسس اني عملت معجزة
عقدت حاجباها بلا فهم ولكنها ابتسمت تسأله...
-اكون كدا ازاي
-قبل كدا لما كنت بشوفك في الجامعة.. او بدخل مع الدكتور مدرجك، كنتٍ دايمًا مش مركزة او حاطة الهاند بتسمعي أغاني، بتهتمي بالمزيكا أكتر، وبصحابك والحفلات الي كنتوا بتعملوها
واغلب الوقت قاعدة في مسرح الكلية وبس.. مكنتش فاكر ان هيجي اليوم والاقيكي شغوفة بالدراسة والتقديرات
اختفت ابتسامتها وتجعد وجهها عبوسًا وهي تفسر كلماته على انها نقد.. تماما كـ فاتح الذي كان ينقدها بإستمرار.. هو وجميع عائلتها الذينٰ لم يتوقفوا عن نقدها وذم خصالها إلى أن كرهتهم وكرهت نفسها
وها هو عبد الرحمن يحذو حذو فاتح.. فتحدثت بحدة مكتومة وقد أغشى الشيطان بصيرتها تمامًا..
-قصدك كنت فاشلة وبايعة الدنيا وانت الي خلتني مجتهدة وبفكر في دراستي وعاقلة مش كدا
عقد حاجباه مندهشًا من هجومها وتفسيرها الخاطئ فتحدث وهو ينظر لها تارة وللطريق تارة...
- ايه.. دا الي فهمتيه من كلامي!
التفتت منفعلة وهي تلقي الأوراق في المقاعد الخلفية ثم نظرت له بحدة وقد رأته في تلك اللحظة نسخة مطابقة لفاتح فقالت تهاجمه...
-والله كلامك ميتفهمش غير كدا.. وطالما كنت شايفني كدا اتقدمتلي ليه وجريت ورايا ليه، ولا هو بقا كيف عندكم انكم تاخدوا الواحدة المختلفة عن مواصفاتكم وتحاولوا تغيروها!
اوقف السيارة جانبًا وقد عبس وجهه من تحول مسار الحديث لأخر يُدينه فالتفت لها ينظر لها بضيق ممزوج بإندهاشه من هجومها الغريب فقال...
-انتِ بتقولي ايه ياسارة.. وعندنا مين.. انتي بتقولي ايه
اندفعت تقول بغضب أعمى لا تدري لما سيطر عليها..
-انت وفاتح..كل واحد مش عاجبه طبعي وعايز يغيرني وطالما انا كنت وحشة كدا بتـ...
قاطعها وهو يرفع كفه يوقفها بجبين قد تجعد غضبًا لأول مره يظهر أمامها وهو يقول بحدة....
-بس ياسارة متكمليش.. كفاية اوي لحد كدا
أنا كدا سمعت منك بما فيه الكفاية، ومش عايز اسمع تاني
نظرت أمامها تتنفس بحدة وغضب مكتوم دون أن تتفوه بكلمة واحدة، أما هو فأدار السيارة يسلك طريق أخر غير طريق الشاطئ
ليتضح لها انه الطريق المؤدي إلى منزلها وقد كان عابس الوجه مثلها يقلص مابين حاجباه بغضب
وطال صمته وبقى عبوسه
وهذا ما جعلها تفكر في ماقالته مره أخرى قبل أن يضربها طوفان الندم.. مجرد دقائق قليلة من التفكير جعلتها تدرك أنها اخطأت في حقه خطأ فادح
وليس هذا وحسب بل قارنته بمن كان خطيبها سابقًا
مقارنة ظالمة وسيئة ايضًا.. كيف لها أن تفعل هذا
كيف طاوعها لسانها على التفوه بتلك الكلمات التافهة التي لا أساس لها من الصحة.. كيف
بدى الندم على وجهها وهي تلتفت نحوه تنظر له نظره نادمة معتذرة عن اندفاعها وهي تقول بخفوت..
-عبد الرحمن أنا
قاطعها وهو يوقف السيارة على جانب الطريق قائلا بجمود...
-انزلي ياسارة.. وصلنا
أشاحت وجهها عنه تنظر صوب منزلها للحظات
ثم ترجع وجهها له تحاول التحدث مره أخرى كي تعتذر عن كلماتها السامة.. ولكنه قاطعها بصبرٍ نافذ..
-متقوليش حاجه ياسارة..اتفضلي انزلي وادخلي البيت.. ورايا حجات كتير أهم من اني اسمع اتهاماتك وكلامك الفارغ
شحب وجهها بحرج وهي تطبق فمها تتراجع عما كانت ستقوله.. ثم التفتت تفتح الباب وتهبط من السيارة صافعة بابها بعنف
قبل أن تتجه إلى المنزل تفتح بوابته وتدلف ثم تصفعه هو الأخر بقوة.. تماما كما صفعت عبدالرحمن بكلماتها الحادة الجارحة
أما هو فأدار سيارته وغادر يقودها مسرعًا يبتعد عن منزلها قدر اسطاعته.. وغضبه يسيطر عليه.. سارة أغضبته لدرجة أنه يود خنقها الآن في هذه اللحظة
تقارنه بفاتح.. غريمه!
تلصق به اتهامات وكلمات لم يتفوه بها أو حتى يفكر فيها..لمجرد أنه اخبرها بأنها تغيرت عن السابق
جملة مازحة قالها بغرض تشجيعها تنقلب على رأسه بتلك الطريقة الغريبة!
آهٍ يا ساكنة الفؤاد ومعذبته
آهٍ يا بسمة الثغر وحزنه
انتِ الحزن وتضاده
يا مائي المالح الذي لا يروي
وأنا الباغي له ولو كثُر ملحه
ولو جف الحلق عطشًا
لو التاع القلب لهفةٌ وولعًا
لن يكون غيرك زاده رُعم شُحك
تنهد مطولاً وهو يحاول السيطرة على غضبه وحزنه.. فـ سارة لا تتوقف عن تشيد حائل بعد أخر يمنعه عنها
رغم أنه يحاول دائما التخلص من كل تلك العواقب إلا انه لأول مره يشعر بالتعب ونفاذ صبره
تعب من محاولاته لارضائها وهي لا ترضى
وتعب من حبه الذي يجعله يحتمل تباعدها
متعب من وجود "فاتح" بينهما حتى رغم غيابه
متعب من سارة وقلبها المتحجر.. صدقًا استهلكت طاقته كلها.
بعد دقائق وصل لمنزله واعتذر عن تناول الغداء مع عائلته وسار متجهًا إلى غرفته بوجهٍ واجم، النوم هو الحل الوحيد كي يمضي يومه دون تفكير او غضب..
بدل ملابسه سريعًا وألقى جسده على الفراش وهو يغمض عيناه بقوة يحاول تجاوز ماحدث اليوم..طالما أنه عاجز عن تجاوزها هى بينما هاتفه جاوره يهتز باستمرار ولكنه تجاهله تماما وهو يدري أن المتصلة هي سارة!
ولكنه تجاهلها تمامًا وترك جسده يسبح في نومٍ عميق داهمه فورًا دون أي محاولة.. فالأيام الماضية كام ارهاقه البدني في عمله في الجامعة وتحضير الاختبارات صباحًا.. وفي المساء يقضي وقته في شقة الزوجية يحاول الانتهاء منه
وفوق كل هذا اعتنائه بســــارة
استيقظ بعد ساعات وهو بسمع أصوات جلبة جواره
فتح عيناه بصعوبة ليصتدم نظره بالاضائة العالية في غرفته.. تنحنح وهو يعتدل في فراشه ويمسح وجهه يحاول إزالة النعاس عنه.. إلى أن سمع صوتها تقول بحنق مصطنع...
-اخيرًا صحيت
لم يبعد كفاها عن وجهه.. بل عقد حاجباه خلفهما وهو يسأل نفسه.. أسمع صوت سارة توًا أم أنه توهم فقط!
ولكن السرير الذي انخفض اثر جلوس أحدهم وتلك اليدان الناعمتان اللتان جذبت كفاه عن وجهه ليطالعه وجهها البهي بعيناها التي تسع ندمًا وارتباك..وصوتها الذي فاجأ سمعه من جديد وهي تقول...
-متدعكش عينك اوي كدا عشان متوجعكش وتعملك هالات سودا
نظر لها بلا استيعاب للحظات وحاجباه معقودان ولازال النعاس لم يختفي من وجهه.. ولكنه سحب كفاه منها وتحدث بخشونة...
-انتي بتعملي ايه هنا
تلجلجت للحظات وزاغ بصرها عنه وهي تعتصر أناملها ببعض التوتر وهي تقول...
-أنا لاقيتك مبتردش على مكالماتي قولت.. قولت اجي واعتذرلك عن الي قولته.. انا اسفة ياعبد الرحمن أنا فعلا غلطت في حقك واتسرعت بكلام أهبل.. بس أنا فهمتك غلط و..
اثناء حديثها مدت كفاها تضعها على ذراعه.. فانتفض كالملسوع يبتعد عنها واقفًا عن فراشه وقد تجعد وجهه بضيق..فتحدث وهو يمسح وجهه من جديد...
-اعتذارك مقبول.. اطلعي استنيني بره على ماأغير هدومي واجي اوصلك بيتك
فغرت فاهها وهي ترى انتفاضته عنها ونبرته الجافة
وحدته التي لم تعتادها منه ابدًا فهمست بإسمه وقد دمعت عيناها بحرج...
-عبد الرحمن متعملش كدا أنا..
قاطعها وهو يتنهد بصبرٍ نافذ ويشيح عيناه عن ملامحها التي تجعدت وتنذر بالبكاء.. يحاول الثبات والتمسك بموقفه كي لا تعتاد ارتكاب اخطاء فادحة كمقارنته بأي رجلٍ أخر.. لن يمرر الأمر بمجرد اعتذار ونبرة ناعمة فقال بضيق واضح..
- انتي معملتيش حاجه صغيرة عشان تنتهي بكلمة أسف وشكرًا على كدا أنا فعلا متضايق منك ومش طايق دلوقتي.. الأفضل تقغلي الموضوع دلوقتي، اطلعي ياسارة استنيني بره..
وقفت وهي تشييعه بنظرات مهزومة منكسرة الخاطر
ثم التفت تقطع خطواتٍ سريعة تخرج من غرفته كما طلب
وهي تكتم شهقة باكية لا تود أن تخرج أمامه
أما هو فلازال يقف في محله يتنفس بثقل ويقاوم صوت قلبه الذي يحثه على انهاء الموقف وألا يحزنها
ولكن نداء الكرامة طغى على صوت قلبه وســــــــــــاد
***
أعرف كل مافيك كخطوط يدي من الأزل.. ولكن اليوم أدركت أنني لا أعرف قسوتك ولا جمود قلبك.. لا أعرف النسخة السيئة منك ياحبيبي
وفاء لـــــــ محروس
****
زاد ارتباكها وهي تسير جوار عمها سليمان نحو منزل عائلة زينة.. فمنذ دقائق أخبرها خالها أنه ذاهب إلى اشقاء زينة كي يطمئن على حالهم خاصة بعد الذي حدث معهم من موت وخراب ديار كما يُقال
فتمسكت به عازمة على الذهاب معه.. وقد ساعدته في حمل الطعام والمأونة التي أعددتها علية لهم
من خبز وفطائر وطعامٍ مطهو ومُعلب والكثير من الزاد يعينهم على أيامهم الصعبة.. ولكنها لم تستطع الذهاب معهم فجسدها متعب للغاية من بعد زواج غزال.. ووعدت أن تزورهم حالما تتحسن
واثناء سيرهم توقف عمها أكثر من مره بسبب ايقاف بعض الجيران له يبغون دقائق يسردون عليه ما حدث في غيابه.. البعض متعاطف والأخر شامت
وفي الحالين كان عمها يردد بهدوء..
"لله في خلقه شؤون ربنا يصلح الحال"
تلك الجملة تنفع في اخراس البعض.. خاصة وكأن أهل القرية لا شغل لهم ولا شاغل إلا ماحدث مع العمده وأولاده
ولكن اندفع أحدهم منذ دقائق يخبر عمها أن محروس قد أتى ومكث في منزل أخوته بدل من ان يمكث في دار العمده مع شقيقه هشام.. هنا توترت وفاء تمامًا وشعرت بالارتجاف يزحف إلى أطرافها
فأخر اتصال دار بينهما لم يكن خيرًا أبدًا.. واختفائه بعدها اخبرها انها غاضب ويائس منها، هي تعرف محروس وتعرف طباعه جيدًا.. رغم لين قلبه ورقته إلا أن غضبه سيئ للغاية لا يُحتمل ابدا
لم تستطع مسايرة رغبته حينها.. فهي كانت غير قادرة على الاقتران به من جديد وخوض تلك التجربة السيئة معه مره اخرى.. ليست سيئة بسببه
بل بسبب عائلته وطباعهم السيئة وشرورهم التي تشعرها وكأنها وقعت في مستنقع يخنقها
مهما كان حبها كبير لمحروس.. إلا أنها لن تتحمل تلك الحياة أبدًا، لن تتحمل أن تكون والدته جدة أطفالها
ولا والده جدهم، لن تتحمل العيش مع رجلٍ يحركه سحر والدته وشعوذتها.. فما عانته في خطبتهم السابقة كان مؤلم ولا يحتمل.. ولن تكرره مره أخرى
لذالك أخبرته بكل قوة أنها لن تستطع السفر معه
فسحر والدته سيلازمهم ولو صعدوا للفضاء.. هي لا تودها زوجه لابنها مهما حدث
ولكن بعد تلك الحادثة التي وقعت.. هي مدركة أنه تألم، رغم أن والداه كانا ظالمان جدًا نحوه إلا أنهم في النهاية مهما بلغت قسوتهم وسوئهم فهم عائلته
بالطبع تألم وشعر بأكثر المشاعر صدمة وسوئًا
فهي حاولت الوصول لرقمه الدولي كي تواسيه.. ولكنها فشلت.. فقد نجح في اختفائه وحجب اي شيء يوصله بها
أما الآن فلم يعد هناك وجود لوالده أو والدته
وعودته من جديد تربكها وتجعلها خجلة منه.. لا تدري كيف تواجه ولا كيف تواسيه.. صدقًا لا تدري مالذي ينبغي عليها فعله خاصة لو لمح لها برغبته في الزواج منها مره أخرى.. بالطبع لن ترفض ولكن لا تدري.. لا تدري اي شيء
قطع شرودها طرقات سليمان على باب دارهم
ثوان وظهر الحبيب من خلف الباب ينظر لهم
نظرة بدأت بالتفاجؤ واختتمت بالجمود.. جمود لم يخفى عن عيناها الثاقبة وهي تراه يرحب بخالها وهو يشير للداخل.. وقد اكتفى بتوجيه لها كلمة واحدة
"اتفضلي"
فقط دون أي ترحيب او حتى النظر في وجهها
يبدو أن غضبه منها لم يزُل بعد.. تحركت تدلف المنزل وترى زينب جالسة على الأريكة متشحة بالسواد ووجهها الباكي يحكي شعورها.. ولكن حالما رأتهم وقفت ورحبت بهم بهدوءٍ حزين.. وكذالك ناصر الذي بدى أكبر من عمره
جلس سليمان وجلست وفاء جواره وهي تنظر لزينب متعاطفة تسألها عن زينة...
-زينة عاملة ايه دلوقتي يازينب
تنهدت زينب وهي تمسح عيناها الدامعة وتقول بخفوتٍ حزين...
-الحمدلله ياباشمهندسة.. فاقت امبارح واتفلقت من العياط، الي عاشته مكانش سهل بردو
تنهد سليمان بحزن وهو يربت على فخذ محروس ويقول بهدوء مواسيًا...
-لله مااعطى ولله ما أخذ.. والله يابني مش عارف اقولك البقاء لله في والدك ولا اقولك شدة وتزول عن ام اخواتك.. عارف ان البلاء كبير لكن الله أكبر يابني
عين العقل انك نزلت مصر قي وقت زي دا
حرك محروس رأسه بإيجاب وتحدث باقتضابٍ واضح...
-دا الواجب يااستاذ سليمان.. شكرا لسؤالك، مكانش له لزوم تتعب نفسك بدا كله، البيت مش ناقصه حاجه
تدخلت وفاء في حديثهم وهي تنظر لمحروس وتقول برفقٍ تمنت أن يلامسه رغم تجاوزها لتهميشه لها توًا...
-دا واجب علينا يامحروس.. كلنا أهل وبعدين دي عاداتنا لو ناسيها
جائها الرد جاف خالي من أي عاطفة أو رفق، وكأنها فتاة غريبة صادفها يوم أمس.. وليست حبيبته..
-شكرًا ياباشمهندسة.. منجيلكومش في حاجه وحشة
باشمهندسة!
محروس يحادثها برسمية لأول مره!
ابتلعت رمقها وقد اصفر لونها وهي تنظر لوجهه مطولاً.. لا وجهه ولا نظراته هما نفسهم وجه ونظرات محروس الذي تعرفه
تلك العينان القاسيتان ليستا عيناه الحنونه
ولا ذاك الوجه الجامد هو نفسه وجهه البشوش
ذاك الجفاء الذي يشع منه لا تألفه أبدًا..!
مرت الدقائق قصيرة للغاية حاولت فيهم مواساة زينب التي بدت كاتمة لحزنها.. وتركت عمها يتحدث مع محروس الذي كان يرد باقتضاب مختصر جعلها مذهوله
حان وقت مغادرتهم.. فوقف سليمان وهو يقول بهدوء ويربت على كتف محروس بأبوه..
-لو عوزتني في أي وقت أنا موجود يابني.. وانا هطمن عليكم دايمًا
تبدد جمود وجهه أخيرًا وهو يزفر ويحرك رأسه بإيجاب يرد على كلماته الودودة..
-شكرًا يااستاذ سليمان.. اكيد انت أخ كبير لينا كلنا
صاحبهم محروس لخارج البيت يوصلهم.. فصادفوا صديق لسليمان الذي وقف وتبادل معه التحية وبعض الكلمات التي لم تصغي وفاء لها.. بل سارت خطوتين تجاور محروس الذي بدى لا يطيقها في تلك اللحظة
وتحدثت بخفوت تسأله...
-انت كويس يامحروس!
أدار وجهه لها يتفرس في وجهها وعيناه مكسوتان بنظر غريبة ووجهه متجعد بملامحه جامدة لا مبالية
نظرات جعلتها تتحدث بصوتٍ مختنق..
-بتبصلي كدا ليه
-مستغرب..سؤالك غبي بصراحة
توسعت عيناها وقد التصقت إهانته في وجهها فتحدثت مستنكرة بخفوت...
-سؤالي غبي عشان بسألك انت كويس ولا لأ!
بسمة ساخرة ظهرت على جانب فمه وهو يغمغم بنبرة تشبه بسمته..
-ابويا وامي ماتوا.. واختي في المستشفى وأم اخواتي في السجن.. والدنيا مقلوبة، جاية تسأليني كويس ولا لأ.. وكمان مستنية اجابة!
ابتلعت رمقها بحرج وكادت تتحدث ولكنه قاطعها من جديد وهو يضم ذراعاه إلى صدره ويقول بنبرة جافة يتبعها مرارة..
-وافرضي اني مش كويس هتعملي ايه ياباسمهندسة
هجومه جعل شحوبها يزداد وصدمتها تنمو أسرع
ذاك الواقف أمامها ليس محروس لا لبس هو ابدًا.. تلك القسوة الساخرة.. وذاك الغضب العميق في عيناه..كل مافيه جديد عليها، صدمته جعلته أكثر صلابة وقسوة
لقد تخيلته منهارًا يحتاج مواساتها.. ولكن ذاك الغريب ليس بمحروس التي تعرفه.. فتحدثت بنبرة متقطعة..
-أنا..كنت بتطمن عليك و..
قاطعها بنبرة خافتة مشددة حرص على ألا تصل لسليمان.. وتصلها هي بشكلٍ واضح تمامًا..
-انتِ ملكيش دعوة أنا كويس ولا لأ.. الزمي حدودك معايا، متحاوليش تظهريلي انك زعلانة على الي حصل
انا عارف كويس شعورك ياباشمهندسة.. أما أنا كويس او لأ دا ميخصكيش.. أنا مخصكيش تمام!
ثم تحرك خطوة للأمام يحادث سليمان...
-عايز مني حاجه يااستاذ سليمان
-لا يامحروس عايز سلامتك.. ان شاء الله اقابلك بكره نزور زينة
حرك رأسه بإيجاب ثم تحرك مبتعدًا عنهم يسير نحو الدار.. يدلف من البوابة ويغلقها دون أن ينظر خلفه
او حتى يلقي نظرة على تلك التي تطالع أثره بنظرة مصدومة من محروس وقسوته الجديدة
***